ميخائيل باختين: جمالية الإبداع اللفظي

يُعدّ كتاب «جمالية الإبداع اللفظي» للفيلسوف والمنظّر الروسي ميخائيل باختين (1895-1975) من أهم المؤلفات التي شكّلت تحوّلا جذريا في الفكر النقدي واللساني في القرن العشرين.

صدر الكتاب بعد وفاة صاحبه، حيث نُشرت طبعته الروسية الأولى عام 1975، وتلتها الطبعة الفرنسية عام 1984، قبل أن يُترجم إلى العربية على يد شكير نصر الدين عن دار رؤية للنشر والتوزيع.

يضمّ هذا العمل الموسوعي مجموعة من الدراسات العميقة التي يمكن اعتبار كلٍّ منها كتابا قائما بذاته، من أبرزها: «المؤلف والبطل»، و«رواية التعلّم في تاريخ الواقعية»، و«أجناس الخطاب»، مما يجعله مشروعا فكريا متكاملا أكثر من كونه مؤلفا واحدا.

ورغم أن المكتبة العربية قد عرفت ترجمة بعض أعمال باختين الكبرى، مثل «الماركسية وفلسفة اللغة» و«شعرية دوستويفسكي»، فإن الجزء الأكبر من فكره ما يزال غائبا أو منقولا على نحوٍ مجتزأ. وغالبا ما تقع التطبيقات النقدية العربية في مأزق الاختزال والتبسيط، إذ تُختصر أطروحاته في مدارس نقدية ضيقة لا تعبّر عن اتساع رؤيته التي تقوم على تكامل العلوم الإنسانية وتداخل الخطابات المعرفية.

يؤكد المترجم شكير نصر الدين أن الجملة لدى باختين تحمل طابعا حواريا فريدا، تتكثّف فيها المعاني حتى تبلغ حدّها الأقصى، حيث تتحول الكلمة إلى جملةٍ فكرية قائمة بذاتها. ويبرز هذا التوجه بوضوح في «الدفاتر» التي تُعدّ نواة فكر باختين، إذ جمع فيها أفكاره وتأملاته النظرية حول الخطاب، والفكر، والجماليات، لتصبح بمثابة مشاريع فكرية مفتوحة تشكّل خريطة طريق للنقاد والباحثين في تحليل الخطاب الإنساني والأدبي.

إن «جمالية الإبداع اللفظي» ليس مجرد كتاب في النقد الأدبي، بل مانيفستو فلسفي يؤسس لنظرية في اللغة بوصفها حوارا دائما بين الذات والآخر، وللنص بوصفه كائنا حيا يتكوّن من تفاعل الأصوات والمعاني، في دعوة صريحة لإعادة النظر في حدود اللغة والمعرفة والفكر الجمالي.

Exit mobile version