جاليليو جاليلي: الفيلسوف والعالم الذي تحدّى محاكم التفتيش

لطالما كان الصراع بين العلم والدين أحد المحاور الرئيسية في تاريخ الفكر البشري، وخاصة خلال العصور الوسطى وعصر النهضة. كان العلماء والمفكرون الذين سعوا لتفسير الظواهر الطبيعية بعيدا عن التفسيرات اللاهوتية يواجهون اتهامات بالهرطقة والمروق من الدين.

ومن بين هؤلاء جاليليو جاليلي (Galileo Galilei)، الفيزيائي والفلكي الإيطالي، الذي وُصف بأنه “أبو العلم الحديث”، لكنه دفع ثمن أفكاره باهظا عندما صنّفته الكنيسة الكاثوليكية مهرطقا عام 1633 بسبب دعمه لنظرية مركزية الشمس.

وُلد جاليليو جاليلي في 15 فبراير 1564 بمدينة بيزا الإيطالية، ونشأ في أسرة مهتمة بالموسيقى والفنون. كان والده فينشنزو جاليلي موسيقيا وعالم رياضيات، ما زرع في ابنه حبّ البحث العلمي والابتكار. التحق جاليليو بجامعة بيزا لدراسة الطب، لكنه سرعان ما تحول إلى الرياضيات والفيزياء، حيث برع في دراسة الحركة والميكانيكا، وأظهر مهارات رياضية استثنائية قادته لاحقا إلى إحداث ثورة علمية.

خلال مسيرته العلمية، عمل أستاذا للرياضيات في جامعة بادوا، حيث أجرى أبحاثا رائدة في علم الفلك والميكانيكا، مهدت الطريق لظهور الفيزياء الحديثة.

1. قوانين الحركة والسقوط الحر

2. تطوير التلسكوب واكتشافاته الفلكية

3. الدفاع عن مركزية الشمس (النظرية الكوبرنيكية)

محاكمة جاليليو: العلم في مواجهة السلطة الدينية

في عام 1616، أصدرت الكنيسة الكاثوليكية تحذيرا رسميا لجاليليو بعدم الترويج لنظرية مركزية الشمس، ووضعت كتاب كوبرنيكوس ضمن قائمة الكتب المحرّمة. ومع ذلك، استمر جاليليو في أبحاثه ونشر عام 1632 كتابه الشهير “حوار حول النظامين الرئيسيين في العالم”، الذي دافع فيه عن النموذج الشمسي ودحض النموذج الجيومركزي.

لم يكن هذا الكتاب مجرد عمل علمي، بل كان تحديا مباشرا للكنيسة، إذ كتب بأسلوب ساخر، وصوّر فيه مؤيدي مركزية الأرض كشخصيات سطحية التفكير. الأمر الذي أغضب الكنيسة بشدة، ودفعها إلى محاكمته بتهمة الهرطقة عام 1633.

تفاصيل المحاكمة:

ورغم التراجع العلني، يُقال إن جاليليو تمتم بعد محاكمته قائلا: “ومع ذلك، فإنها تدور!”، في إشارة إلى أن الأرض تدور حول الشمس بالفعل، حتى لو أنكرت الكنيسة ذلك.

على الرغم من محنته، كان تأثير جاليليو على العلم والفلسفة الحديثة هائلا. فقد كان حجر الأساس للثورة العلمية التي مهدت الطريق لـ إسحاق نيوتن وألبرت أينشتاين. كما ساهمت أعماله التجريبية والمنهجية في تطوير المنهج العلمي الحديث القائم على الملاحظة والتجربة والاستنتاج.

وفي اعتراف متأخر، قامت الكنيسة الكاثوليكية عام 1992، بعد مرور أكثر من 350 عاما، بإعادة الاعتبار لجاليليو، واعترف الفاتيكان بخطأ الحكم الذي صدر بحقه.

تظل قصة جاليليو جاليلي شاهدا على نضال العلم ضد التعصب الفكري والديني. لقد أثبت أن الحقائق العلمية لا يمكن إخمادها بالقوة، وأن البحث عن الحقيقة يجب أن يستمر مهما كان الثمن. واليوم، يُنظر إليه على أنه أحد أعظم العلماء في التاريخ، ورائد للثورة العلمية التي غيّرت نظرتنا إلى الكون.

العلم قد يُحارب، لكنه لا يُهزم ولا يموت أبدا.

Exit mobile version