شياطين الشعراء بين الأسطورة والميثولوجيا العربية القديمة

يُعَدّ الشعر العربي القديم ديوان العرب وذاكرتهم الحية، فقد كان وسيلة لحفظ الأخبار، ورواية البطولات، وكشف الأسرار، كما شكّل أداة لنيل المكانة الاجتماعية والعطايا من السادة والأمراء. ومنذ الجاهلية، ارتبط الشعر بصفته ملكة خاصة تُمنح لفئة محدودة من الناس، حتى عُدّ هبة سحرية أشبه بالوحي الذي يُلقى على لسان الشاعر فيجري بالكلمات إيقاعا وصورا آسرة.

لقد كان الشاعر في القبيلة الجاهلية نظيراً للفارس والسيد، فهو لسانها المدافع وسجلّها الرمزي الذي يخلّد ذكراها. وحين يولد شاعر في قبيلة، فإنها تحتفي به كما تحتفي بميلاد فارس مغوار؛ إذ تُقام الولائم وتُشعل المواقد وتُرفع الهامات فخراً بمكانته.

وفي الموروث الجاهلي، شاع الاعتقاد بأن الشاعر لا ينطق الشعر من ذاته، بل يُلهمه “شيطان خاص” يلقي إليه المعاني ويعلّمه البيان، في مكان أسطوري عُرف باسم وادي عبقر، الذي صار لاحقاً مرادفاً للعبقرية.

شياطين الشعراء في التراث الجاهلي:

وقد رُوي أن الفرزدق ميّز بين شيطانين هما الهوبر والهوجل، وبيّن أن جودة الشعر وفساده تتوقف على غلبة أحدهما على الشاعر.

من الميثولوجيا إلى النقد الحديث:

مع بزوغ الإسلام، تراجع هذا الاعتقاد حتى غدا مادة للفكاهة والسخرية، ثم طُوي في سياق الميثولوجيا الشعبية التي فسرت بها العرب قديماً ظواهر الإبداع والعبقرية.

واليوم، ينظر الباحثون إلى “شياطين الشعراء” باعتبارها رمزا لتفسير مجهولية مصدر الإبداع الشعري، ومحاولة أسطورية لتأطير ظاهرة الفن داخل سياق ثقافي يوازن بين الواقع والخيال.

إن هذا الموروث، على طرافته، يضيء جانباً من علاقة العرب بالشعر ومكانته في حياتهم، إذ كان الشاعر بمثابة “الناطق الرسمي” باسم قبيلته، وسلاحها الرمزي في معارك الكلمة والفخر والهجاء.

Exit mobile version