
اشتهر الرئيس الأمريكي الثالث توماس جيفرسون (1743–1826) بشغفه العميق بالكتب والمعرفة. ولعل عبارته الشهيرة: «لا يمكنني العيش بدون كتب» تختزل علاقته الخاصة بالقراءة والبحث. فقد جمع جيفرسون خلال حياته ما يزيد عن 6487 كتابا، ما جعله أحد أبرز الببليوفيليين (عشاق الكتب) في التاريخ الأمريكي.
- مكتبة جيفرسون والكونغرس:
عقب حريق واشنطن عام 1814، عندما أقدم البريطانيون على إحراق مبنى الكابيتول ومكتبته، وجد الكونغرس نفسه دون أي مرجع علمي أو مكتبة قومية. هنا برز دور جيفرسون، الذي كان قد أسس لنفسه أكبر مكتبة شخصية في الولايات المتحدة آنذاك.
عرض جيفرسون مجموعته الهائلة المكونة من 6487 كتابا على الكونغرس مقابل 23,950 دولارا (وهو مبلغ ضخم بمقاييس ذلك الزمن). وقد اعتُبرت هذه الصفقة حجر الأساس في إعادة بناء مكتبة الكونغرس الأمريكية، التي أصبحت اليوم من أكبر المكتبات في العالم.
- عودة إلى اقتناء الكتب:
لم يكتف جيفرسون ببيع مجموعته؛ إذ عاد مباشرة بعد ذلك إلى اقتناء الكتب من جديد، مدفوعا بشغفه الذي لم يخفت أبدا. لكن مع تراكم ديونه في سنواته الأخيرة، اضطر عام 1829 إلى بيع مجموعته الجديدة أيضا. وعلى الرغم من ذلك، ظل اسمه مرتبطا بالمكتبة الأمريكية الأبرز، وبالعبارة التي جعلت منه أيقونة بين محبي المعرفة.
- قيمة المكتبة وأثرها:
ما يميز مكتبة جيفرسون ليس فقط حجمها الكبير، بل تنوع موضوعاتها. فقد شملت مؤلفات في الفلسفة، القانون، العلوم الطبيعية، التاريخ، الأدب الكلاسيكي، اللغات، الجغرافيا، والفنون. هذا التنوع يعكس اهتمامه الواسع ورغبته في الاطلاع على مختلف المعارف الإنسانية، وهو ما انعكس لاحقا على فكره السياسي وتوجهاته الإصلاحية.
تجدر الإشارة إلى أن مكتبة الكونغرس ما زالت تحتفظ إلى اليوم بجزء كبير من كتب جيفرسون الأصلية، في قاعة خاصة تعرض فيها المجلدات النادرة والمصنفة بحسب الترتيب الذي وضعه بنفسه، مما يمنح الزائرين فرصة فريدة للتعرف على عقلية أحد أهم الآباء المؤسسين للولايات المتحدة.