يُعد معامل التأثير (Impact Factor) أحد أبرز المؤشرات المعتمدة عالميا لقياس جودة المجلات العلمية المحكمة. نشأ هذا المفهوم في ستينيات القرن العشرين، بهدف توفير أداة موضوعية لترتيب الدوريات العلمية حسب أهميتها ومدى تأثيرها الأكاديمي.
ومع التطورات المتسارعة في ميدان النشر العلمي، بات هذا المقياس محط جدل واسع بين الباحثين والناشرين ومؤسسات التصنيف، خاصة مع بروز بدائل رقمية جديدة وانتشار المجلات المفتوحة.
- مفهوم معامل التأثير وتعريفه
معامل التأثير هو مقياس إحصائي يُعبّر عن متوسط عدد الاستشهادات التي تحصل عليها المقالات المنشورة في مجلة علمية خلال فترة زمنية محددة، عادة ما تكون سنتين. تم ابتكاره من قبل “يوجين جارفيلد” مؤسس معهد المعلومات العلمية (ISI)، ويُستخدم حاليا على نطاق واسع لتقييم المجلات وترتيبها ضمن قواعد بيانات مثل Web of Science وScopus.
- كيف يُحسب معامل التأثير؟
يُحسب معامل التأثير وفق المعادلة التالية:
معامل التأثير للسنة X = (عدد الاستشهادات في السنة X للمقالات المنشورة في السنوات X-1 وX-2) / (عدد المقالات المنشورة في السنوات X-1 وX-2)
مثال: إذا كانت مجلة ما قد نُشرت فيها 100 ورقة في 2021 و2022، وتم الاستشهاد بها 300 مرة في 2023، فإن معامل التأثير للمجلة في 2023 هو: 300/100 = 3.0
- النشأة التاريخية لفكرة الفهرسة العلمية
بدأت فكرة الفهرسة العلمية من خلال معهد المعلومات العلمية (ISI) في عام 1960، حيث تم لأول مرة تتبع الاقتباسات بين المقالات لتحديد العلاقات البحثية بين المجلات. وتطورت الفكرة لاحقا لتصبح معيارا لتقييم الأوعية العلمية المعتمدة، خاصة مع بروز شبكة العلوم Web of Science وتأسيس قاعدة بيانات Scopus من قبل Elsevier في 2004، وجوجل سكولار لاحقا.
- معامل التأثير العربي
استجابة للحاجة إلى تقييم المجلات العربية، أُطلق معامل التأثير العربي كمبادرة لتقييم جودة المجلات المحكمة الصادرة باللغة العربية. يرتكز هذا المقياس على معايير كمية ونوعية تشمل:
- عدد الاستشهادات بالمقالات المنشورة.
- انتظام صدور المجلة.
- جودة نظام التحكيم العلمي.
- التزام المجلة بأخلاقيات النشر.
- التنوع الجغرافي للباحثين.
- توفر الموقع الإلكتروني وقواعد النشر.
يُعد هذا التطور خطوة محورية في تعزيز النشر العلمي باللغة العربية ودمجه في السياق الأكاديمي العالمي.
الانتقادات الموجهة إلى معامل التأثير
رغم شيوع استخدام معامل التأثير، إلا أنه يواجه عدة انتقادات:
- عدم عدالة المقارنة بين التخصصات: تختلف ثقافة الاستشهاد من مجال لآخر.
- إمكانية التلاعب: بعض المجلات ترفع معاملها عبر تشجيع الاستشهاد الذاتي أو نشر مقالات مسحية.
- لا يعكس جودة المقالة الفردية: قد تنشر المجلة مقالات ضعيفة رغم ارتفاع معاملها.
- التأخير في التقييم: لا يُحسب للمجلات الجديدة إلا بعد عامين على الأقل.
تأثير الاستشهاد الذاتي والممارسات التضخيمية
تستطيع بعض المجلات رفع معاملها من خلال سياسات مقصودة مثل:
- نشر دراسات تستشهد بكامل أرشيف المجلة.
- تقليل عدد المواد المصنفة كـ “قابلة للاستشهاد”.
- دعوة الباحثين للاستشهاد بمقالات المجلة في أبحاثهم.
بدائل مقترحة ومعايير جودة جديدة
بسبب الانتقادات المتزايدة، ظهرت بدائل مثل:
- مقياس h-index لتقييم الباحثين.
- Eigenfactor Score الذي يأخذ في الحسبان مكانة المجلات المستشهِدة.
- SCImago Journal Rank (SJR) الذي يُراعي عدد وجودة الاستشهادات.
- مبادرة DORA التي تدعو لتقليل الاعتماد على معامل التأثير.
مستقبل النشر العلمي ومعامل التأثير
مع الانتشار المتسارع للمجلات المفتوحة والتحولات الرقمية، يُتوقع أن:
- تزداد الضغوط نحو تطوير مؤشرات أكثر عدالة وشفافية.
- يُعاد النظر في اعتماد معامل التأثير كمقياس وحيد.
- تُمنح المجلات الناشئة فرصا للمنافسة دون الانخراط في ممارسات تضخيمية.
خلاصة
يبقى معامل التأثير أحد المؤشرات المرجعية المهمة لتقييم المجلات العلمية المحكمة، لكنه ليس معيارا مطلقا. ومع تطور أدوات النشر، ينبغي تبني مقاربة شمولية تراعي جودة البحوث، وعدد الاستشهادات، وأخلاقيات النشر، وشفافية السياسات التحريرية.
كما يُعد معامل التأثير العربي مبادرة مهمة لتعزيز المحتوى العلمي العربي وتوسيع أفق التميز الأكاديمي في المنطقة.
