إساءة الأبناء للآباء: تحليل سيكولوجي اجتماعي لظاهرة مسكوت عنها

رغم شيوع ظاهرة إساءة الأبناء للآباء في مجتمعات متعددة، إلا أن هذه الظاهرة ما زالت خارج دائرة الاهتمام العام والبحث العلمي، وتُعد من المحرمات الاجتماعية التي يتردد الناس في الحديث عنها، خصوصا أن الإطار الأخلاقي والاجتماعي يمنح سلطة أخلاقية للأبناء كضحايا تقليديين للعنف الأسري. لكن في كثير من الحالات، يتعرض الآباء، خصوصا الأمهات، لأنماط متعددة من الإساءة تتجاوز السلوك العدواني العابر إلى أن تصبح نمطا سلوكيا مضطربا ومتكررا.

1. إساءة الأبناء: المفهوم وحدود الظاهرة

يشير مفهوم إساءة الأبناء للآباء إلى مجموعة من السلوكيات العدوانية التي يمارسها الأبناء، خاصة في سن المراهقة، تجاه أحد الوالدين أو كليهما. وتأخذ هذه الإساءة أشكالا متعددة: لفظية، بدنية، نفسية، عاطفية، ومالية. وغالبا ما تكون مصحوبة بمشاعر الخزي والصمت من قبل الوالدين، مما يعيق التدخل المبكر أو التبليغ الرسمي عن مثل هذه السلوكيات.

2. تصنيف أنواع الإساءة

وفقا لعدد من الدراسات النفسية والاجتماعية، تشمل إساءة الأبناء للآباء الأنواع التالية:

3. السن، الجنس، والأنماط السلوكية

تشير الإحصاءات إلى أن الفئة الأكثر ممارسة لهذا النوع من العنف تتراوح أعمارها بين 12 و17 عاما، مع تزايد واضح لدى الذكور في العنف الجسدي، بينما تميل الإناث إلى استخدام أشكال أكثر نفسية وعاطفية من الإساءة. كما أن أغلب الحالات الموثقة تمس الأمهات بنسبة تفوق 80%، خاصة في الأسر ذات العائل الواحد.

4. الأسباب النفسية والاجتماعية الكامنة

لا تعود إساءة الأبناء للآباء دوما إلى الإهمال أو القسوة الأبوية، بل قد تنشأ لأسباب متعددة منها:

5. نموذج التفاعل المتبادل وديناميكيات التصعيد

يقدّم نموذج “سبتزبيرج” تصورا للتفاعل السلبي المتدرج الذي يؤدي إلى تصعيد سلوك الإساءة:

6. استراتيجيات الوقاية والتدخل

تتطلب الوقاية من هذا النمط من الإساءة:

7. الإرشاد الأسري: علاج أم وقاية؟

يُعد الإرشاد الأسري، النفسي والسلوكي، الوسيلة الأكثر فعالية للتعامل مع هذا النمط من المشكلات. فهو يعمل على:

خلاصة:

إن إساءة الأبناء للآباء ليست حالة فردية، بل انعكاس لاختلالات في التنشئة والقيم والمجتمع ككل. ومن هنا فإن الاعتراف بالمشكلة هو أولى خطوات الإصلاح، ويجب أن يُفتح لها باب النقاش العلمي والمهني الجاد من أجل استعادة التوازن داخل البيوت، وبناء أجيال قادرة على احترام السلطة الأبوية، والعيش في إطار من الانضباط العاطفي والسلوكي السليم.

Exit mobile version