مع التطورات المتسارعة في الذكاء الاصطناعي، وتحليل البيانات الضخمة، والتقنيات الحيوية، تظهر سنويا لوائح جديدة لتنظيم استخدام البيانات الشخصية على الصعيدين الوطني والدولي. وبما أن الباحثين، لا سيما في مجالات العلوم الاجتماعية، والصحة، والبيانات، يعتمدون بشكل كبير على البيانات، فإن إلمامهم بهذه اللوائح بات ضرورة لا اختيارا.
فعدم الامتثال قد لا يؤدي فقط إلى رفض أبحاثهم، بل قد يعرضهم أيضا لعواقب قانونية جسيمة.
- 1. تحولات رئيسية في مشهد حماية البيانات:
أ. بعد الـGDPR: التشريعات الأوروبية الجديدة
بعد تطبيق اللائحة العامة لحماية البيانات GDPR، تتجه أوروبا نحو تعزيز حماية البيانات أكثر من ذي قبل. وتشمل التحولات الجديدة:
- قانون البيانات الأوروبي (EU Data Act – 2025): ينظم الوصول إلى البيانات الصناعية وغير الشخصية، ويؤكد على “سيادة البيانات” وحق الأفراد في التحكم بها.
- اللائحة الأوروبية للذكاء الاصطناعي (AI Act): تتقاطع مع حماية البيانات، لا سيما في ما يخص التمييز، الشفافية، والرقابة على خوارزميات التصنيف.
ب. صعود “سيادة البيانات” في دول الجنوب العالمي
بدأت دول مثل الهند، البرازيل، وجنوب إفريقيا بوضع قوانين جديدة تعكس نهجا مستقلا في التعامل مع البيانات:
- قانون حماية البيانات الشخصية في الهند (DPDP Act – 2023/2024) يُعد حجر الأساس لنهج “الهند أولا” في حماية بيانات المواطنين.
- تشريعات دول إفريقيا الناطقة بالفرنسية بدأت تستلهم من النموذج الأوروبي مع الحفاظ على الخصوصيات الثقافية.
ج. الولايات المتحدة ونهج الممارسات الفضلى
رغم عدم وجود قانون اتحادي شامل، إلا أن ولايات مثل كاليفورنيا، كولورادو، وكونيتيكت أصدرت قوانين صارمة، أبرزها:
- قانون خصوصية المستهلك في كاليفورنيا (CCPA/CPRA)
- توجه نحو تشريعات جديدة فيدرالية بحلول 2026 تهدف إلى التوفيق بين حماية البيانات والابتكار.
2. لماذا يجب على الباحثين إيلاء أهمية لهذه اللوائح؟
أ. أخلاقيات البحث العلمي لم تعد كافية
لم يعد مجرد الحصول على “موافقة أخلاقية” من لجنة محلية كافيا؛ إذ تتطلب أغلب المجلات والدوريات ذات التصنيف العالي امتثالا قانونيا دقيقا.
ب. البيانات العابرة للحدود وتضارب السيادة
في عصر التعاون البحثي الدولي، قد يخضع الباحث لعدة أنظمة قانونية في آنٍ واحد، مما يزيد من التعقيد. على سبيل المثال:
- استخدام بيانات من مواطنين أوروبيين في مشروع ممول من جامعة أمريكية.
- تخزين البيانات في “السحابة” قد يثير مشاكل متعلقة بمكان وجود الخوادم.
ج. التحديات التقنية والأمنية
استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، وخدمات التخزين السحابي، والتشفير، كلها تخضع لمتطلبات قانونية دقيقة. ويجب على الباحثين التأكد من:
- استخدام تقنيات التشفير المعتمدة قانونيا.
- توثيق عملية “إخفاء الهوية” بشكل صارم (Anonymization vs Pseudonymization).
3. أبرز اللوائح الناشئة المتوقع تطبيقها في 2025-2026:
| البلد / الاتحاد | اسم اللائحة | نقاط تهم الباحثين |
|---|---|---|
| الاتحاد الأوروبي | AI Act + Data Act | تقييد استخدام البيانات الحساسة في الخوارزميات |
| الهند | DPDP Act | يتطلب إشعارا صريحا وشفافا للمستخدمين |
| كندا | CPPA (مقترح) | يمنح الأفراد تحكما أكبر في بياناتهم |
| أمريكا اللاتينية | قوانين متعددة | اعتماد مبدأ “الموافقة الصريحة المسبقة” |
| الإمارات والسعودية | قوانين محلية جديدة | تعزيز الشفافية وتقييد الاستخدام التجاري للبيانات البحثية |
4. ما الذي ينبغي على الباحث فعله لضمان الامتثال؟
أ. مراجعة كل مشروع بحثي من زاوية قانونية
- هل تجمع بيانات حساسة؟
- هل تخزن بيانات خارج الدولة؟
- هل تستخدم أدوات تحليل قائمة على الذكاء الاصطناعي؟
- هل يمكن إعادة التعرف على الأفراد؟
ب. تحديث نماذج الموافقة المستنيرة
يجب أن تتضمن هذه النماذج تفاصيل دقيقة حول:
- الغرض من جمع البيانات.
- الجهات التي قد تطلع على البيانات.
- مدة الاحتفاظ بالبيانات.
- حقوق المشاركين في حذف أو تعديل بياناتهم.
ج. التعاون مع خبراء قانونيين وتقنيين
التعامل مع البيانات أصبح تخصصا مشتركا بين الباحث، والمحامي، وخبير أمن المعلومات. لذا من الضروري:
- إشراك محامٍ عند صياغة أدوات جمع البيانات.
- طلب استشارة من خبير حماية معلومات قبل النشر أو التخزين.
خلاصة:
إن إدراك الباحثين للوائح حماية البيانات الناشئة بين عامي 2025 و2026 ليس فقط واجبا قانونيا، بل هو حجر الأساس لأخلاقيات البحث العلمي المعاصر. وفي ظل عالمٍ يزداد ترابطا رقميا وتشددا تشريعيا، فإن الامتثال لتلك اللوائح ليس مجرد إجراء شكلي، بل هو شرط للثقة والمصداقية والتمويل والنشر.
