أهمية أدوات الربط في اللغة العربية

- الدليل المنهجي للكتابة باللغة العربية -

يَكتسي النص أو المقالُ العلميُّ المكتوبُ باللغة العربية؛ مرونةً وانسياباً وانسجاماً مُنقطعَ النظير؛ عندما يُنسَج وِفقَ منهجيةٍ تَعتمدُ تسلسلَ الأفكارِ وتَوالُدَها في ارتباطٍ مُنظّم وَوثيقٍ بالموضوع.

تُلمَسُ هذه الجمالية في النَّسْجِ والكتابة؛ عندما يُنوّعُ الكاتب من مُعجمِه اللّغوي، ويَسبِكُ جملَهُ بضروب مُختلفةٍ ومتنوعةٍ من أدوات الربط؛ وعدَمِ الاقتصارِ على بعضِها دونَ بعض.

لقد عالجنا  في المقالات السابقة من سلسلة؛ “الدليل المنهجي للكتابة العلمية باللغة العربية“؛ حروفَ الجر واستعمالاتِها[i]، كما تطرقنا (في نفس الجزء) إلى حروف العطف[ii] والطرق الصحيحة لتوظيفِها في الكتابة العربية السليمة.

وفي هذا المقال؛ سنحاول بحول الله تعالى؛ استعراضَ أهمِّ أدوات الربط في اللغة العربية، وطُرُقِ توظيفِها، ودورِها في تجويد الكتابة بشكل عام، والكتابة العلمية باللغة العربية على وجه الخصوص.

نُنبِّهُ إلى أن هذه الروابط والأدوات مُتقاربةٌ جدا في استعمالاتِها، ورُبما صَعُب على المبتدئ رسمَ خريطة ذهنية لها في التوظيف، إلا أن الطريقة العَملية والمُثلى للإلمامِ بها؛ يكون أولاً بِكثرة القراءة، وثانيا بالاستعمالِ من خلال التمرُّن عليها كتابةً.

تكتسي عبارات الاستدراك أو البناء على ما تقدم؛ أهميةً كبيرة في التوليف بين الجُمل وجمْعِ الأفكار وتحقيق الانسجام والجمالية فيما بينها.

ومن هذه العبارات نجد: (عوداً على بدء، بادئ ذي بدء؛ بدايةً، تعقيباً على، بناءً على ما تقدم، إجمالا، عموماً، على العموم…)، وغيرِها كثيرةٌ من عبارات الاستهلال التي تُفتتَحُ بها المقالات باختلاف أنواعِها.

لكن هذه الأدوات وحدَها؛ لا تُغني عن بقية العناصر المُساهمة في بناء المادة اللغوية. ومنها أدوات الربط، التي هي على نفس الدرجة من الأهمية مع حروف الجر وحروف العطف.

وهي الروابط التي تُمهِّدُ لشرح وتفسير جملةٍ قبلها، وتسمى “السببية“، وتضمّ الأدوات التّالية: (أي، الفاء، اللام، فقد، لأن، بسبب، راجع إلى، لكيْ، لأجل ذلك، ويُعزى إلى،  بناءً على،،،).

أمثلة للشرح:

روابط الاستدراك:

لروابط الاستدراك أهميةٌ كبيرةٌ جدا في الكتابة بشكل عام، وفي كتابة المقالات الفورية على وجه الخصوص، وهي كثيرة الاستعمال؛ إن لم تكن أكثرَ أدوات الربط استعمالا على الإطلاق. فهي تُمكننا من تدارُك الهفوات التي تحدث أثناء الكتابة مِن؛ نقصٍ أو زيادةٍ أو غموضٍ أو خلطٍ أو تداخلٍ للأفكار والمعلومات.

وهذه الأدوات هي: (لكنْ، لكنّ، بل، بيد أن، إلا أن، غير أن، على الرّغم من، على أية حال، علما أنّ، لذلك..).

أمثلة للشرح:

روابط التزامن:

تعمل هذه الأدوات لضبط الجملة زمنيا مع الأحداث والوقائع المُضمنة فيها، إذ تسمح هذه الروابط بتحميل الجملة الواحدة حدثيْن أو فعليْن؛ حَدَثاَ تزامُناً في الآن نفسِه. وهذه الأدوات هي؛ (بينما، تزامُنا، حينَها، ساعتَها، وقتَها، تزامُنا مع …).

أمثلة للشرح:

روابط الفجائية:

هي أدواتٌ تُستخدم مع الأحداث التي تحصل فجأة، والهدف منها الربط بين الجُمل والأحداث الطارئة، وهذه الروابط هي: (إذا، إذ، فإذا، وإذا).

أمثلة توضيحية:

روابط الإضافة:

أدوات الإضافة في استعمالاتِها؛ قريبةٌ جداً من أداوت الاستدراك والمزامنة، وربما أحدثتْ خلطاً لدى بعض مُستعمليها. لكنها مستقلة تماما من حيث وظيفتُها، فهي تُستعملُ تحديدا للربط بين جُملتيْن تشتركان في موضوع أو فكرة.

حيث تُضيف الجملة الثانية معنىً أو فكرةً أو معلومةً جديدة لما سبقَ ذكرُه، أي؛ للجملة الأولى من خلال أداة الإضافة. وهذه الروابط هي: (بالإضافة إلى، إلى جانب ذلك، قِس على ذلك، كما…).

أمثلة للتوضيح:

روابط التّفصيل:

تُستعمل أدوات التفصيل للربط بين جُملتيْن أو أكثر؛ لتُصبح جملةً واحدةً، أو ربطِ كلامٍ بكلامٍ سابقٍ عنه؛ دون مراعاة الترتيب. وهذه الأدوات هي: (أمّا، إمَّا، الواو، ثمّ، إذن، غير أنّ…).

أمثلة للشرح:

روابط النفي:

روابط النفي؛ أدواتٌ يتمُّ استخدامُها لنفي مضمون الجُملة نفياً صريحا أو ضِمنيّاً. حيث يقع النفي على الأفعال الماضية والمضارعة فقط. وهذه الروابط هي: (لا، ليس، غيرَ، لم، لمَّا، لن، ما).

أمثلة للتوضيح:

روابط الغائية:

الغائية أو الغاية؛ هي الأدوات والروابط التي تُستعمل لذِكر “الغاية” أو “الهدف” أو “النتيجة” أو “ما يُرجى” مِن الفعل. وتأتي غالبا؛ إما مصدراً أو مفعولا لأجلِه. وهذه الأدوات هي: (لِغاية، لِهدف، لأجلِ، وصولا إلى، مِن أجل، نتيجةً لِـ، لهذا، كيْ، رغبةً في، على هذا، وعليه…).

أمثلة للتوضيح:

روابط الشرط:

أدوات الشرط؛ هي روابطُ تُستخدَمُ للربط بين فعل الشرط وجوابِه في الجملة. تُعِينُنا هذه الروابط على اعتمادِ جُملٍ قوية ومُباشرة، تضمُّ دلالة وافية، نَستعيضُ بها عن الفقرات الطويلة للشرح، كما أن روابطَ النفي مُهمة جدا وفعالةٌ في الكتابة العلمية باللغة العربية، خصوصا ما تعلق بقراءة البيانات وتحليل المعطيات.

تضمُّ هذه الأدوات أسماءً وحروفاً، وهي: (مَنْ، إِنْ، أَيُّ، أَينَ، أَيْنَمَا، كيفما، مَتَى، مَتَى مَا، حَيْثُمَا، أَنَّى، أَيَّانَ، مَهْمَا، إِذْمَا، مَا، حيث أن، حيثُ إنَّ، إِنْ، إِذْمَا..).

أمثلة للتوضيح:

روابط التأكيد:

أدوات التأكيد؛ من أكثر الروابط استعمالا، لكونها تُوظف لتوكيد المعنى وتوضيحِه وإظهارِه جلِيّاً لدى القارئ “كِتابةً”، أو السامعِ “خطابَةً”. بتعبير آخر؛ تُوظَّفُ أدواتِ التوكيد لإلغاء أيِّ نوعٍ من الشك يُساوِر المُتلقي.

يتم التوكيد عن طريق تكرار اللفظ المُرادِ تأكيدَهُ، أو من خلال أدوات معلومة هي: (كلا، مثل، كلتا، جميع، عين، نفس، كافة، عامة، قد، أنّ، كل، …).

أمثلة توضيحية:

خلاصة

هناك روابط وأدوات أخرى لا تَقِلُّ أهميةً؛ نذكر منها على سبيل المثال؛ (روابط؛ المقارنة – التتابع والترتيب – الاستثناء – التمثيل والتوضيح – الاقتران …)، إلا أننا اقتصرنا في مقالنا هذا على أكثرِها شُيوعاُ وأهميةً وضرورةً في الاستعمال.

تكمن أهمية هذه الأدوات؛ في تحسينِ وتجويدِ كلام المُتحدِّث أو الخطيب باللغة العربية؛ على مستوى البلاغة بياناً وبديعاً ومَعانٍ. كما تُمكِّنُ الكاتبَ من تمتين المقال وتجويدِه؛ من خلال الرّبط بين الأفكار دون تكرار أو ركاكة، ما يُحقق للمادة عُنصر الإقناع والتأثير في القارئ أو المتلقي.

فهي؛ تُعطي حياة وقوة وجمالاً للغة، من خلال التنويعات الكثيرة التي تمنحُها هذه الروابط والحروف الوظيفية، فلا يمل القارئ مهما طال المقال، كما أن الأفكار والمعاني والمعلومات تصل إلى القارئ بشكل صحيح وسليم.

فمهما كان مستوى تمَكُّنِك العلمي والمعرفي، فلن تستطيع إبرازَهُ إلا من خلال لغة عربية سليمة؛ متينة ومنسوجة بلاغةً وصياغةً.

للتعمُّق أكثر حول “أدوات الربط” يُرجى الاسترشاد بالمراجع التالية:

[i]  رابط مقال: “حروف الجر واستعمالاتُها“.

[ii]  رابط مقال: “حروف العطف واستعمالاتُها“.

Exit mobile version