التداوليات في اللغة والاصطلاح

علم التأويل أو علم المقامية أو الذرائع – Pragmatics -؛‏ علم من اللسانيات يهتم بتفسير الفرق والفجوة بين معاني كلمات الكلام الإنساني ومعانى مقصود المتكلم. يعامل الذرائع السياق والمعاني في كلام غير متناول باستعمال علم المعاني—أي، البلاغة العربية.


يدرس هذا الفرع مختلف المحددات التي تتعلق بالتداول اللغوي بالنسبة إلى السياق والمقام باعتبارهما شرطين أساسيين في الكيفية التي يحصل بها التواصل و إنتاج الدلالة بين مستعملي اللغة في علاقاتهم التخاطبية تدليلا وتوجيها، حيث أن التواصل اللغوي لا يتم فقط بالاستناد إلى الكفاءة اللغوية، وإنما هناك جملة من الشروط غير اللغوية التي تتدخل في تحديد الأداء اللغوي.


فالتداوليات هي المجال الذي يهتم بدراسة أفعال الكلام والاقتضاء والاستلزام التخاطبي، وذلك بالاشتراك مع مجالات فلسفة اللغة ومنطق الحجاج وتحليل الخطاب. ومن أهم رواد التداوليات، هناك لودفيغ فتغنشتاين وجون لانغشاو أستين وأوزفالد ديكرو.


تتباين آراء نقاد الحداثة في تعريف أو تحديد مصطلح “التداولية” فيعرفونها في سنة 1938م أنها “جزء من السيميائية التي تعالج العلاقات بين العلامات ومستعملي هذه العلامات”، ويرى غيره أنها “دراسة استعمال اللغة في الخطاب، شاهدة في ذلك على مقدرتها الخطابية”.


عنصر ذاتي يتمثل في التعبير عن معتقدات المتكلم ومقاصده واهتماماته ورغباته،

عنصر موضوعي يتمثل في الوقائع الخارجية ومن ضمنها الظروف الزمانية والمكانية،

عنصر يدل على المعرفة المشتركة بين المتكلم والمخاطب.

تفسر هذه العناصر أولا الأقوال المستعملة، ثانيا معرفة المحيط الخارجي الذي تم فيه الخطاب الصادر من المتكلم، وثالثا يكون للغة الخطاب أثرها بين المتحدث والسامع من خلال تراكيب الجمل.

وقد وضع أوستين المفهوم اللغوي لهذا النوع من الخطاب باعتباره عملا لغويا، وقد ميز فيه بين ثلاثة مكونات هي:


يتم الأول نطقا بالصوت المؤلف لكلمات لها معنى. وفي الثاني يتضمن قولا بالإثبات أو النفي أو التمني إلخ… وفي الثالث ينجز فعل القول، أي خلق حالات الخوف أو الإقناع أو حمل المخاطب بسلوك معين. ورأى جون سيرل من بعده “أن إنجاز هذا العمل يتم من خلال أعمال فرعية: “التلفظ/ الإحالة/ الإثبات فضلا عن التأثير.


أما بول جرايس فقد وضعنا أمام سؤال: “لماذا يقول القائل شيئا وهو يقصد ما يقوله؟ لكنه يريد أن يقول شيئا آخر” وبالمقابل كيف يمكن للسامع “أن يفهم العمل اللغوي غير المباشر في حين أن الجملة التي يسمعها تقول شيئا آخر”؟ من هذه الزاوية ينظر إلى التداولية على أنها تأويل قول المتكلم بعيدا عن المعنى المحدد الذي نطق به، ومن ثم فهم المراد منه.


“التداولية” المقابل العربي الأشهر للمصطلح الإنجليزي (Pragmatics)، ذلك المصطلح الذي يتفق الدارسون على إرجاعه إلى الفيلسوف تشارلز موريس وقد عرفها بوصفها جزء من السيميائية(سيميوطيقا) تعالج العلاقة بين العلامات ومستعملي العلامات.


ورد في معجم أساس البلاغة للزمخشري “دول”: دالت له الدولة، ودالت الأيام، وأدال الله بني فلان من عدوهم، جعل الكثرة لهم عليه… وأديل المؤمنون على المشركين يوم بدر، وأديل المشركون على المسلمين يوم أحد… والله يداول الأيام بين الناس مرة لهم ومرة عليهم. وتداولوا الشيء بينهم، والماشي يداول بين قدميه، يراوح بينهما.


وجاء في لسان العرب لابن منظور: تداولنا الأمر، أخذناه بالدول وقالوا دواليك أي مداولة على الأمر، ودالت الأيام أي دارت، والله يداولها بين الناس، وتداولته الأيدي أخذته هذه مرة وهذه مرة، وتداولنا العمل والأمر بيننا، بمعنى تعاورناه فعمل هذا مرة وهذا مرة.


فالملاحظ على معاجم العربية أنها لا تكاد تخرج في دلالاتها للجذر “دول” على معاني: التحول والتبدل والانتقال، سواء من مكان إلى آخر أم من حال إلى آخرى، مما يقتضي وجود أكثر من طرف واحد يشترك في فعل التحول والتغير والتبدل والتناقل وتلك حال اللغة متحولة من حال لدى المتكلم، إلى حال أخرى لدى السامع، ومتنقلة بين الناس، يتداولونها بينهم، ولذلك كان مصطلح “تداولية” أكثر ثبوتا بهذه الدلالة من المصطلحات الأخرى الذارئعية، النفعية، السياقية.


ولعل هذا الثبوت لمصطلح التداولية هو الذي جعل الباحث المغربي طه عبد الرحمان يستحدث مفهوم “المجال التداولي” في ترجمته لمصطلح pragmatique، يقول في توصيفه للفعل” تداول”: تداول الناس كذا بينهم يفيد معنى تناقله الناس وأداروه بينهم ومن المعروف أيضا أن مفهوم النقل والدوران مستعملان في نطاق اللغة الملفوظة كما هما مستعملان في نطاق التجربة المحسوسة،

فيقال: “نقل الكلام عن قائليه” بمعنى رواه عنه، ويقال دار على الألسن بمعنى جرى عليها، فالنقل والدوران يدلان في استخدامهما اللغوي على معنى التواصل وفي استخدامهما التجريبي على معنى الحركة بين الفاعلين، فيكون التداول جامعا بين اثنين هما: التواصل والتفاعل.


ويحسن التنبية إلى أمرين مهمين قبل الدخول في التعريف بالتداولية، وهما:

وجوب التفريق بين المصطلحين “براجماتكس” و”براجماتيزم”؛ لأن الأول يستخدم بكثرة في المجال اللغوي، ويستخدم الثاني بكثرة في مجال الفلسفة والثقافة الأمريكية خصوصا، ويترجم الأول إلى العربية بالتداولية غالبا، ويترجم الثاني بالذرائعية أو النفعية غالبا.

هو كثرة المقابلات التي قدمت بإزاء المصطلح الإنجليزى “براجماتكس”، ترجمة أو تعريبا بالتداولية، والمقاماتية، والمقامية، وعلم المقاصد، والبراجماتية، والبراغماتية.إلخ، لكن المصطلح الأشهر في الاستعمال هو التداولية. ويوضح محمود نحلة بعض الأسباب التي أدت إلى صعوبة وضع تعريف جامع مانع للتداولية ألا وهي:

أن نشأتها لم تكن لغوية محضة، بل كان لفلاسفة اللغة دور ملحوظ في النشأة والتطور.
أنها ليست فرعا أو مستوى تحليليا من مستويات التحليل اللغوي.

قد لا تنضوي التداولية تحت علم من العلوم التي لها علاقة باللغة على الرغم من تداخلها مع هذه العلوم في بعض الجوانب.

وقد أشار د. عيد بلبع إلى أن كنت باش قام بحصر إحصائي لتعريفات التداولية ومفاهيمها ووجد أنها تدور حول فكرة الاستعمال التي ترددت في أكثر التعريفات.

كما ذكر د. نعمان بوفرة عدة تعريفات للتداولية قدمها علماء عديدون تدور كلها حول الاستعمال والتلفظ وشروط الصحة، والالتفات إلى الجانب التواصلي للغة واستعمالها في الخطاب. ويمكن هنا عرض بعض تعريفات التداولية التي وردت عند العلماء والدارسين على النحو التالي:

 

 

 


نخلص مما سبق أن التداولية هي “دراسة اللغة في الاستعمال أو التواصل.

Exit mobile version