التداوليات
أخر الأخبار

أفعال الكلام في التداوليات عند “سورل”

جون روجرز سورل: يعد من أبرز تلامذة أوستين ،وقد اعتمد مبدأ فلاسفة اللغة العادية (فيتجنشتاين ،كارناب .. ) ويمكن إدراك هذا من خلال مقولته الشهيرة “القول هو العمل “.


  • التعريف بـ”سورل” :

فيلسوف أمريكي معاصر ، متخصص في فلسفة اللغة وفلسفة الذهن، ولد سورل في دينفر بولاية كولورادو سنة 1932م، درس الفلسفة في جامعة أوكسفورد، عين أستاذا لفلسفة اللغة بجامعة بيركلي سنة 1959م، أسهم في إغناء نظرية أفعال اللغة أو أفعال الكلام التي أسسها جون أوستين في مؤلفه المشهور “كيف تنجز الأشياء بالكلمات، ويعد كتاب أفعال اللغة لسورل أحد أهم المصادر في نظرية الخطابي الإنجازي أو ما يسمى بالتداوليات .


تناول سورل نظرية أستاذه، وحاول تطويرها انطلاقا من بعدين رئيسيين هما:

المقاصد والمواضعات، وجاء القول حسب سورل على أنه ” شكل من أشكال السلوك الاجتماعي الذي تضبطه قواعد محددة ” وهو طرح يضاهي ما جاء به فيتجنشتاين الذي ركز هو الآخر على ضرورة ضبط تلك القواعد، وذلك لأهميتها داخل العملية التواصلية، وهذه القواعد تتمثل بالأساس في:
فعل القول- فعل الإسناد – فعل الإنشاء- فعل التأثير.

وقد انصبت اهتمامات سورل بالخصوص على الأعمال اللغوية، خاصة الجانب المتعلق بالأعمال المتضمنة في القول، حيث شكك في وجود أعمال تأثير بالقول، وهذا ما يمكن تبينه من خلال تمييزه داخل الجملة بين :


– اسم القوة المتضمنة في القول: يفيد ما يتصل بالعمل المتضمن في القول.

– واسم المحتوى القضوي : وهو ما يتصل بمضمون العمل .


ويمكن اعتماد المثال الآتي لتفسير ذلك: ” أعدك أن أحضر غدا “

أعدك : هو اسم القوة المتضمنة في القول.

أحضر غدا : هو اسم المحتوى القضوي .

فالجملة انطلاقا من معناها الأول؛ تفصح على موعدٍ تم تحديده من قبل المتكلم يرمي من خلاله الحضور في اليوم الموالي، أما المقصد الذي لا يتم إدراكه إلا بفضل قواعد لسانية تم التواضع عليها فهو بالأساس :

– أن المتكلم لديه النية في الحضور

– أن هذه الرغبة وهذه النية يتم إسقاطها على أرض الواقع من خلال إنتاجه لهذه الجملة.


  • القواعد التحضيرية :

وهي التي لها صلة بمقام التواصل من خلال اشتراك المتخاطبين في اللغة نفسها .

– قاعدة المحتوى القضوي : وهو وعد يسند إلى المتكلم، يلزمه إنجاز عمل في المستقبل.

– القواعد الأولية : وهي التي تمثل إنجاز أعمال، انطلاقا من اعتقادات تمثل خلفيات، والتي تكون موجهة من طرف إلى آخر .

– قاعدة النزاهة :
والتي ترتبط بالحالة الذهنية للمتكلم الذي يمتاز بالنزاهة على مستوى أقواله وأفعاله .

– القاعدة الجوهرية :
وهي قاعدة تمكن من تحديد نوعية التعهد الذي ثم تقديمه من طرف أحد المتخاطبين، والذي يكون عبارة عن وعد أو التزام .

– قواعد المقصد أو المواضعة : وهي التي تنبني بالأساس على تحديد مقاصد المتكلم، وكيفية تنفيذه

لهذه المقاصد، والدور الذي تلعبه المواضعات اللغوية في هذا. إلى جانب هذا؛ فقد اهتمت نظرية سورل بجوانب متعلقة بالفعل غير المباشر، حيث جاء حديثه عنه في إطار الحديث عن الخطاب التخييلي (الاستعاري) والخطاب الحقيقي.

أكد سورل أن القول الحقيقي يوجد متى كان هناك تطابق بين معنى الجملة والمعنى الذي يقصد المتكلم إيصاله الى المستمع. أما القول الاستعاري فهو عكس ذلك تماما. وقد تحدث عن هذا الأخير وميزه عن الكذب وأكد على أن التخييل والكذب ما هما إلا نشاطان لغويان يتخذان شكل الإخبار والإثبات، وإن كانا لا يعبران عن إخبار أو إثبات خالصين.


وهذا ناتج بالأساس عن عدم احترام القواعد المتحكمة في نجاح الأخبار عند التخييل. وعودة إلى الفعل غير المباشر فقد أشار سورل إلى اختلاف الأغراض التي يتم استعمال الفعل الغير المباشر من أجلها والمتمثل بالأساس في :


أغراض متعلقة بالسخرية والهزل. كما هو الحال في مثال من قبيل : “جارتك أفعى “، فهذه الجملة تمثل فعلا غير مباشر، أدى معنى الحيطة والحذر من الشخص الموصوف، والمستمع في هذه الحالة يؤول الفعل غير المباشر بوصفه فعلا مباشرا والعكس.


وبالتالي فإن ما يميز الفعل المباشر عن الفعل غير المباشر هو أن الأول يتخذ صيغة أمرية، في حين أن الثاني يتخذ صيغة متعلقة بأغراض الهزل والسخرية .

إن أهم ما يمكن الحديث عنه في التداولية هو الأفعال الكلامية، التي تعتبر النواة المركزية في كثير من الأعمال التداولية، حيث استأثرت باهتمام الباحثين في كثير من جوانب استعمال اللغة، فعدها علماء النفس ” شرطا أساسيا لاكتساب اللغة كلها والتمكن من الغوص بعيدا في سيكولوجية النفس البشرية ” أما نقاد الأدب فرأوا فيها “إضاءة لما تحمله النصوص من فروق حقيقة في استعمال اللغة وما تحدثه من تأثير ” وغيرها من الرؤى والتعاريف التي همت نظرية الأفعال الكلامية.


وحسب بعض الباحثين ، فالتداولية في بادئ الأمر كانت مرادفة للأفعال الكلامية، ما يظهر المكانة التي حظيت بها هذه الأخيرة داخل الحقل التداولي. وقد بنيت فكرة هذه النظرية حسب “أوستين”، انطلاقا من رفضه فكرة اقتصار اللغة على وصف الواقع؛ والذي بموجبه يكون هذا الأخير إما صادقا أو كاذبا، وهو تصور يأتي للرد على ما ذهب إليه فلاسفة الوضعية المنطقية.

وقد رأى “أوستين” أن هناك نوعا من العبارات شبيه بالعبارات الوظيفية؛ غير أنها لا تصف الواقع لا بالصدق ولا بالكذب، علما أن مجرد النطق به لا ينشأ قولا بقدر ما ينشأ فعلا، وهذا ما أسماه “اوستين” بالأفعال الكلامية.

فهذه الأخيرة حسب هذا الفيلسوف هي ” كل ملفوظ ينهض على نظام شكلي دلالي إنجازي تأثيري ” وبالتالي؛ فالملفوظ يكتسي طابعا هاما داخل البعد الخطابي من خلال إحالته إلى دلالة العبارة التي تربطها بالسياق، كما يكون متعلقا بفعل إنشائي متعدد الخصائص ،يتمتع بخاصية تأثيره في المتلقي.

وميز “اوستين” في الأفعال الكلامية بين:

أ‌- أفعال إخبارية:

وهي الأفعال التي تصف وقائع العالم الخارجي ويمكن وصفها بالصدق أو الكذب.

ب- أفعال أدائية :

وهي التي تقابل الأفعال الإنشائية والتي لايتم وصفها بمعيار الصدق أو الكذب؛ بل بمعيار النجاح أو الإخفاق. ولا تتحقق الأفعال الأدائية إلا إذا تحقق فيها نوعين من الشروط هما:

شروط الملاءمة : – وجود إجراء عرفي يتميز بالقبول. – انتقاء الكلمات المناسبة التي تخص مقامات معينة. – الاتصاف بالأهلية عند تنفيد هذا الإجراء. – صحة التنفيد. – اكتمال التنفيذ. الشروط القياسية: ما يجب أن يلتزم به المشارك في الحوار متمثلا في:

– أن يكون صادقا في أفكاره.

– صادقا في مشاعره.

– صادقا في نواياه .

– أن يلتزم بما ألزم به نفسه.

وقد أدرك “أوستين” فيما بعد أن هنالك تداخلا مابين الأفعال الخبرية والأفعال الأدائية، وطرح سؤالا هاما متمثلا في :” كيف ننجز فعلا حين ننطق قولا ؟ ” وهو ما حدا به إلى اعتبار الفعل الكلامي مركبا من ثلاث أفعال هي:

  • 1-الفعل اللفظي :

” يتألف من أصوات لغوية تنتظم في تركيب نحوي صحيح؛ ينتج عنه المعنى الأصلي وله مرجع يحيل عليه ” .

2- الفعل الإنجازي:

يؤدي إلى إنتاج معنى إضافي من قبل الفعل اللفظي داخل المقام الأصلي .

3- الفعل التأثيري:

وهو” ذلك الأثر الذي يحدثه الفعل الإنجازي في السامع “. وبإدراك “أوستين” لأهمية الفعل الإنجازي داخل المقام التخاطبي، رأى بضرورة الاهتمام به، ليصبح بذلك لب نظرية الأفعال الكلامية، وقد عرفت في مواضع عدة لديه باسم النظرية الإنجازية ( أنظر الفصل الأول :المبحث الثاني : أوستين )، غير أن نظريته هاته لم تكن كافية لوضع نظرية متكاملة للأفعال الكلامية، ومع ذلك فقد شكلت نقطة البداية للتعميق في هذه النظرية من خلال تحديد بعض المفاهيم الأساسية، خاصة مفهوم الفعل الإنجازي، الذي اكتسى طابعا رئيسيا عند “سورل” والذي تابع الطريق الذي ابتدأه “أوستين” من خلال اهتمام كلي بالفعل الإنجازي وإضافته لما يسمى بالقوة الإنجازية.

وقد رأى “سورل” أن الفعل الكلامي يتعدى الجانب المرتبط بمراد المتكلم إلى ما هو مرتبط بالعرف اللغوي الاجتماعي. وطور سورل شروط الملاءمة عند أوستين ( أنظر الفصل الأول، المدخل الثاني سورل). وطبقها تطبيقا محكما على كثير من الأفعال الإنجازية، كما ارتأى وضع تصنيف مغاير للافعال الكلامية اختلف في جوهره عن تصنيف أوستين والمتمثل في :

– الغرض الإنجازي – -اتجاه المطابقة – شرط الإخلاص وما يلاحظ في هذا التصنيف الجديد، هو محافظة سورل على الغرض الإنجازي لكونه يمثل جوهر هذه النظرية، وقد اعتبر هذا التصنيف الجديد لنظرية الأفعال الكلامية يمكن تطبيقه على ثلاثة أفعال وهي : الإخباريات، التوجيهات، الالزاميات، التعبيرات، والاعلانيات.

ويعد التمييز بين الافعال المباشرة وغير المباشرة أهم ما ميز نظرية سورل للفعل الإنجازي (أنظر الفصل الأول المدخل الثاني سورل)،حيث بين أن كل فعل من الأفعال الكلامية يقوم على مفهوم القصدية الذي يعد الموجه الرئيسي للفعل المقولي داخل الخطاب، وهذا ما حادا بسورل إلى تحديد المراحل التي يتم فيها فهم جملة ما، خاصة وأن هذا الفهم بالأساس ينتقل من فعل مباشر (المدرك الحرفي) إلى فعل غير مباشر (المدرك الذهني). من خلال اعتماد الخطوات التالية :

1-الفهم الدلالي للجملة.

-2- تقييد دلالة الجملة بشروط الاستعمال.

3- إشعار المخاطب بقرائن الجملة ووسائطها قصد الفهم والإدراك.

4- تعتبر الجملة المستعملة وسيلة تواضعية لإنتاج أثر تكلمي معين لذلك المخاطب.


  • خلاصة موجزة :

انطلاقا مما تقدم؛ يظهر لنا جليا الاهتمام الذي أبداه سورل بالفعل المباشر وغير المباشر داخل دائرة الأفعال الكلامية، وكيفية التمييز بينهما، وانتهى إلى أن ما يحمل على استعمال الأفعال المباشرة هو بالضرورة التأدب في الحديث.

الحسين بشوظ

كاتب، صحفي عِلمي وصانع محتوى، باحث في اللسانيات وتحليل الخطاب، حاصل على شهادة الماجستير الأساسية في اللغة والأدب بكُلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط. مسؤول قسم اللغة العربية في منظمة المجتمع العلمي العربي بقَطر (سابقا)، عُضو مجلس إدارة مؤسسة "بالعربية" للدراسات والأبحاث الأكاديمية. ومسؤول قسم "المصطلحية والمُعجمية" بنفس المؤسسة. مُهتم باللغة العربية؛ واللغة العربية العلمية. ناشر في عدد من المواقع الأدبية والصُّحف الإلكترونية العربية. له إسهامات في الأدب إبداعاً ودراسات، صدرت له حتى الآن مجموعة قصصية؛ "ظل في العتمة". كتاب؛ "الدليل المنهجي للكتابة العلمية باللغة العربية (2/ج)".

‫4 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى