أنواع النكاح عند العرب في الجاهلية

في العصر الجاهلي، كانت العلاقات بين الرجال والنساء تتسم بدرجة كبيرة من الانفتاح والمرونة، حيث تنوعت أشكال الزواج وأساليبه بين القبائل المختلفة، بل وامتدت بعض هذه الممارسات إلى شعوب أخرى مثل سكان بلاد فارس والأمريكيتين الأصليين.

تجلى هذا التنوع في أنواع متعددة من الزواج، منها ما كان شائعا في الجزيرة العربية قبل الإسلام، ومنها ما تميزت به بعض الثقافات الأخرى، وكل نوع كان يعكس طبيعة اجتماعية أو اقتصادية أو ثقافية محددة.

في هذا المقال، نستعرض أبرز أنواع الزواج في الجاهلية، مع التركيز على أهمها وأغربها، ونبدأ بـ “نكاح الاستبضاع”، أحد أشهر أنواع الزواج في ذلك العصر.

الاستبضاع، أو ما يعرف أحيانا بـ “زواج المباضعة”، كان من الظواهر الاجتماعية المعروفة في العصر الجاهلي، ليس فقط في الجزيرة العربية، بل أيضا بين بعض الشعوب الأصلية في الأمريكيتين.

يُعرّف نكاح الاستبضاع بأنه نوع من الزواج الذي تُنكح فيه المرأة المتزوجة من رجل آخر بموافقة زوجها الأصلي، حيث لا يمسها زوجها خلال فترة معينة حتى يتبين ما إذا كانت قد حملت من الرجل الآخر أم لا.

تتوجه المرأة في هذه الحالة إلى شخص ذي مكانة مرموقة—غالبا كان شاعرا أو فارسا أو زعيما في قومه—بنية إنجاب ولد يحمل صفات القوة والشجاعة أو حسب النسب. وبعد فترة الاستبضاع تعود المرأة إلى زوجها وأسرتها.

ويُروى أن الرجل في الجاهلية كان يقول لزوجته بعد انقضاء فترة الحيض: “اذهبي إلى فلان فاستبضعي منه”.

وكان هذا الإجراء يُتخذ عادة في حالات عقم الزوج، أو رغبة في نقل صفات النبل والشجاعة التي يتمتع بها الرجل الآخر إلى المولود.

ولم يُنظر إلى هذه العلاقة باعتبارها علاقة شهوانية بحتة، بل كانت تُعتبر نوعا من “زواج المشاركة”، أو تعاون اجتماعي يهدف إلى الحفاظ على نسله وتحسين خصائص ذريته.

وفي حال ذهبت المرأة إلى فارس أو رجل معروف بفحولته وشجاعته، كان يُطلق على هذا النكاح اسم “الاستفحال”، في إشارة إلى الصفات الرجولية التي يُراد نقلها.

ومع ظهور الأديان السماوية، وخصوصا الإسلام، حُرّم نكاح الاستبضاع، وانتهى هذا النوع من الزواج في الجزيرة العربية، ليحل محله نظام الزواج الشرعي المعروف اليوم.

يُعرف نكاح المخادنة، الذي يُطلق عليه أحيانا “المصاحبة”، بأنه شكل من أشكال العلاقة الزوجية أو شبه الزوجية التي كانت سائدة في بعض قبائل العرب في العصر الجاهلي، حيث تدخل المرأة في علاقة مع رجل آخر غير زوجها الرسمي، ولكن هذه العلاقة لم تكن بالضرورة جنسية كاملة.

وفقا لبعض الروايات والتقاليد، فإن المخادنة اقتصرت في كثير من الأحيان على القبلات والأحضان، ولم تصل إلى العلاقة الجنسية الكاملة. لذا، كان نكاح المخادنة بمثابة علاقة سرية، تنطوي على درجة من الاحتشام مقارنة بأشكال العلاقات الأخرى.

ويعكس المثل العربي الشهير الذي يقول: “ما استتر فلا بأس به، وما ظهر فهو لؤم”.

فقد كانت السرية أمرا أساسيا لقبولها ضمن إطار غير رسمي، في حين كانت العلاقات المكشوفة تُعتبر عارا ومذمومة. كان المجتمع الجاهلي يتبنى موقفا متناقضا تجاه نكاح المخادنة، إذ كان يحرم الصراحة والعلانية في العلاقات غير الشرعية، لكنه في المقابل يتغاضى عن ما يتم في الخفاء، بما يعكس نوعا من ازدواجية المعايير الاجتماعية.

هذا الموقف يتجلى في العبارة الشائعة بين أهل الجاهلية:

“أما ما ظهر منه فهو لؤم، وأما ما خفي فلا بأس بذلك”.

لكن مع نزول الأديان السماوية، وبشكل خاص الإسلام، تم وضع حد صارم لهذا الموقف. جاء في القرآن الكريم تحذير واضح ونهائي ضد كل أشكال الفواحش، سواء كانت ظاهرة أو خفية:

(وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ) — (سورة الإسراء: 32)

وكذلك جاءت آية أخرى تعبر عن رفض الزواج غير الشرعي والعلاقات غير المشروعة:

(وَلَا مَتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ) — (سورة النساء: 25)

وهذا يعني رفض الإسلام لأي علاقة خارج إطار الزواج الشرعي الكامل، سواء كانت علنية أو سرية، مما أنهى بشكل نهائي قبول المجتمع العربي السابق لهذا النوع من العلاقات.

ويمكن اعتبار نكاح المخادنة انعكاسا لصراع اجتماعي وثقافي بين قيم الفطرة الإنسانية، التي تميل إلى التعددية والعلاقات الاجتماعية المعقدة، وبين النظام الأخلاقي الذي يفرضه الدين والسلطة المجتمعية.

فالمجتمعات قبل الإسلام كانت تعاني من ازدواجية في تطبيق القيم الأخلاقية، حيث يمكن لبعض الأفعال المحرمة أن تُمارس في الخفاء دون عقاب أو لوم.

لكن مع الإسلام، جاءت دعوة لتوحيد المعيار الأخلاقي، وترسيخ قواعد واضحة تحمي الأفراد والمجتمع من الانزلاق نحو الفوضى الأخلاقية، عبر تأكيد حرمة كل أشكال الفواحش، والالتزام برباط الزواج الشرعي كمؤسسة مقدسة.

الضماد أو نكاح المضامدة مصطلح لغوي يشير إلى علاقة خاصة كانت تقوم بها المرأة مع اثنين أو ثلاثة رجال غير زوجها، وهدفها الأساسي هو الاستفادة من الموارد الاقتصادية والاجتماعية لكل رجل من هؤلاء الرجال.

في ظل ظروف القحط والجفاف التي كانت تعصف ببعض القبائل في العصر الجاهلي، اتجهت النساء إلى “مضامدة” رجال أغنياء أو أصحاب نفوذ في الأسواق والمناطق الحضرية الكبرى، ليأكلن ويشربن ويؤمنّ أنفسهن بالمعيشة.

وهكذا كانت المرأة تستفيد من هذه العلاقات المزدوجة أو المتعددة لتوفير حاجاتها الأساسية، ثم تعود إلى زوجها بعد تحسن حالها المادي.

فلم يكن هذا النكاح مقبولا اجتماعيا، بل كان يُنظر إليه على أنه خيانة صريحة من المرأة تجاه زوجها، مما يعكس حساسية المجتمع العربي التقليدي تجاه الوفاء الزوجي والالتزام الأخلاقي، خاصة في أوقات المحن.

وكانت المضامدة ظاهرة مرتبطة بالنساء من القبائل الفقيرة، حيث شكلت رد فعل على الحاجة والضغوط الاقتصادية، ما يجعلها حالة اجتماعية تعكس تداخلات بين الفقر، البنية الاجتماعية، والأعراف الثقافية.

وقد حرّم الإسلام نكاح المضامدة باعتباره شكلا من أشكال العلاقات غير الشرعية التي تهدد النسيج الاجتماعي وقيم الأسرة، مؤكدا على أهمية التزام الزواج الشرعي والوفاء الزوجي.

نكاح الشغار، المعروف أيضا باسم “زواج البدل” أو “زواج المقايضة”، كان أحد أنواع الزواج المنتشرة في العصر الجاهلي، حيث يزَوّج الرجل وليته (بنت أخيه، أو ابن أخته) إلى رجل آخر على أن يزوجه الآخر ابنته أو ابنته في المقابل، دون أن يدفع أي منهما صداقا أو مهرا.

في هذا النوع من الزواج، كانت العروس تُعتبر مهرا للعروس الأخرى، وهو ما يُظهِر علاقة تبادلية بحتة، وتغيب فيها الأبعاد العاطفية والاجتماعية لصالح المنافع الاقتصادية والعائلية.

كان نكاح الشغار ظاهرة تعكس الارتباط العميق بين العلاقات العائلية والاقتصادية في المجتمعات الجاهلية، حيث كان الهدف الأساسي هو توثيق الروابط بين القبائل والعائلات، وضمان المصالح المتبادلة.

وكان العرب يسمون هذا النوع من الزواج “زواج المقايضة” نسبة إلى المقايضة التي تتم بين النساء، سواء كانت الأخت أو الابنة، بين الطرفين.

يُروى أن الرجل كان يقول:

“زوجتك بنت أخي على أن تزوجني ابنة أخيك”.

وهذا يعكس طبيعة العقد والتفاهم المتبادل بين العائلات، ولكن من دون الالتزام بالحقوق المالية المعتادة في الزواج.

وقد نهى الإسلام عن نكاح الشغار وأكد بطلانه، فقد ورد في صحيح الإمام مسلم في باب تحريم نكاح الشغار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

{لا شِغَارَ في الإسلام}
{الشغار من عمل الجاهلية}

وجاء هذا التحريم ضمن جهود الإسلام لإصلاح النظام الاجتماعي والأسري، وإلغاء الممارسات التي تخلّ بحقوق المرأة وتفقد الزواج أبعاده الحقيقية من المودة والرحمة والحقوق المتبادلة.

نكاح المقت، المعروف أيضا باسم “وراثة النكاح”، هو نوع من الزواج التقليدي كان سائدا في بعض المجتمعات القديمة، لا سيما في بلاد فارس وانتقل إلى بعض القبائل العربية في الجاهلية.

في هذا النوع من الزواج، يرث أكبر أبناء الرجل المتوفى زوجة أبيه، ويحق له الزواج بها أو حتى منعها من الزواج بأي رجل آخر حتى وفاتها، مما يجعل الزوجة بمثابة “موروث” يتم توريثه مع ممتلكات الأسرة.

كما أن لهذا الابن الحق في تزويجها إلى أحد إخوته بمهر جديد، وإذا رغب الزوج في تركها يمكن للزوجة دفع فدية مالية (مقدارها يختلف) لإرضائه وتحرير نفسها من هذا النكاح القسري.

ويرتبط نكاح المقت بشكل وثيق بالأنظمة الاجتماعية التي كانت تركز على سيطرة العائلة الذكرية على المرأة وميراثها، وتكريس علاقات التملك والوصاية عليها بعد وفاة الزوج.

تُعتبر هذه الممارسة تجسيدا لهيمنة الذكر وحرمان المرأة من حقها في اختيار شريكها أو التحرر من علاقة إجبارية، مما يضعها في موضع خضوع كامل، يعكس التفاوت الاجتماعي والثقافي في تلك الحقبة.

حرّم الإسلام نكاح المقت، مؤكدا في القرآن الكريم على خطورة هذه الممارسة ورفضها، حيث جاء النص القرآني في سورة النساء:

(وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَة وَمَقْتا وَسَاءَ سَبِيلا) — (سورة النساء: 22)

وقد جاء هذا الحكم الإسلامي كجزء من إصلاحات اجتماعية واسعة تهدف إلى تحرير المرأة من وصايات غير عادلة، وتأصيل الزواج القائم على المودة والرحمة، وليس على العلاقات القسرية أو الملكية.

الرهط يعني مجموعة من الرجال تتراوح بين ثلاثة وعشرة أفراد، وكان نكاح الرهط معروفا في الجزيرة العربية وبعض المناطق مثل بلاد التبت، حيث تتشارك عدة رجال في الزواج بامرأة واحدة.

في هذا النوع من النكاح، تدخل المرأة في علاقة جنسية مع جميع الرجال المنتمين إلى هذه العصابة أو الجماعة، ويقوم كل منهم بمجامعتها، بينما يكون الحمل والمولود موضع اتفاق بين الطرفين.

فعندما تحمل المرأة وتنجب، كانت تتفق مع هؤلاء الرجال على تحديد من منهم سيكون الأب الرسمي للولد، ويُسجل نسب الطفل بناء على رغبتها أو التوافق بينهم، دون أن يحق لأي منهم الاعتراض أو رفض الاعتراف بالأبوة.

هذا النظام يعكس نموذجا من الأبوة الجماعية أو التشاركية، حيث يتشارك الرجال مسؤولية الأبوة، وهي ظاهرة فريدة من نوعها في إطار الزواج والجنس في المجتمعات التقليدية.

حرم الإسلام نكاح الرهط، حيث يؤكد الشريعة الإسلامية على ضرورة وجود رابطة واضحة بين الزوج والزوجة، وضرورة وضوح النسب لضمان الحقوق والواجبات الشرعية، وهو ما يتناقض مع مفهوم الأبوة المشتركة أو الغامضة.

إن تحريم نكاح الرهط يأتي ضمن إطار الحفاظ على النسب الشرعي، وحماية حقوق المرأة والطفل، وتثبيت النظام الاجتماعي القائم على الزواج الأحادي والعلاقة الأسرية الثابتة.

نكاح البعولة هو الشكل المعروف للزواج الذي ما زال قائما حتى اليوم، وكان رائجا في العصر الجاهلي وفي قبائل العرب.

في هذا النوع من الزواج، يطلب الرجل امرأة من رجل آخر فيُتفق على مهر محدد، ثم يُعقد عليها عقد الزواج الذي يقوم على الخطبة والمهر. هذا النوع يمثل الشكل الرسمي والشرعي للزواج في المجتمع العربي القديم، وهو ما طبقه النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأقره الإسلام مع الشروط الضابطة التي جعلته مؤسسة شرعية قائمة على المودة والرحمة والحقوق والواجبات المتبادلة بين الزوجين.

ذكر أبو حيان التوحيدي في كتابه “الإمتاع والمؤانسة” نوعا من الزواج يُعرف بـ “نكاح المساهاة”، ويعني المسامحة أو ترك الاستقصاء في المعاشرة.

في هذا النوع، يفك الرجل أسر شخص، ويجعل فك هذا الأسر بمثابة صداق لزوجة قريبة له مثل أخت صاحب الأسر أو ابنته أو قريبته، فيتزوج المعتق من دون صداق.

هذا النوع من الزواج كان ينطوي على تجاوز للمعايير الشرعية التقليدية في تحديد حقوق المرأة ومهرها، ولذلك حرّمه الإسلام وأكد على ضرورة التزام شروط الزواج الشرعي.

في نكاح البدل، يتبادل رجلان زوجتيهما لفترة معينة دون أن يتم طلاق أو عقد جديد للزواج.

كان الرجل يقول للرجل الآخر:

“بادلني بامرأتك، وأبادلك بامرأتي”.

وروى أن الصحابي أبي هريرة قال:

“إن البدل في الجاهلية أن يقول الرجل للرجل: انزل لي عن امرأتك، وأنزل لك عن امرأتي وأزيدك”.

هذا النكاح يعكس نوعا من التعاملات الاجتماعية غير الرسمية التي كانت موجودة في الجاهلية، والتي لم يكن الإسلام يقرّها، بل حرمها لما فيها من مخالفة لضوابط الزواج الشرعي وأخلاقياته.

كان يُعرف في بعض القبائل وجود مجموعة من النساء، يمكن تسميتهن بـ”أصحاب الرايات”، وهن ما يمكن أن نطلق عليهن “البغايا” في العصر الحديث، حيث كانت المرأة التي تنتمي لهذه الفئة ترفع الراية الحمراء فوق خيمتها، دلالة على أنها متاحة لاستقبال الرجال.

هذا السلوك كان يعبر عن حالة اجتماعية مغايرة تماما لما هو مألوف في الزواج الرسمي، وكان مرتبطا بتقاليد وأعراف معينة في المجتمعات العربية القديمة، ولم يكن مقبولا في ضوء القيم الإسلامية التي جاءت لاحقا.

في هذه العادة، كان يمنع تزويج المرأة العربية من الأعجمي (غير العربي)، حيث كان يُشترط الكفاءة والتماثل بين الزوجين من حيث النسب والقبيلة.

ورغم أن هذه العادة كانت متبعة في العصر الأموي، فقد أبطَلها الخليفة عمر بن عبد العزيز، الذي عمل على رفع الظلم والتمييز في مجال الزواج، وأرسى قيم العدالة والمساواة، من خلال تحييد الانتماءات القبلية والعنصرية في اختيار الزوجين.

Exit mobile version