
تُعدّ تسمية العرب من القضايا التاريخية واللغوية التي أثارت اهتمام الباحثين والمؤرخين منذ قرون. وقد ورد ذكر لفظ “عرب” بصيغ متعددة في نصوص قديمة سومرية وأشورية وسبئية، ممّا يدل على قدم هذا الاسم وعمقه الحضاري. وفي هذا المقال، نرصد أهم النظريات والتفسيرات التي تناولت أصل التسمية، سواء من المنظور اللغوي أو التاريخي أو الجغرافي.
- العرب في النصوص القديمة
ظهرت كلمة “عرب” بأشكال متعددة مثل: عربي، عرابي، أعراب، عريبي، عربايا، في النقوش السومرية والآشورية، حيث كانت تشير إلى البدو الرحل الذين يسكنون الأطراف الغربية من الهلال الخصيب. في النقوش السبئية، نجد أن البدو السبئيين كانوا يُلقبون بـ”أعرب سبأ”، بينما استخدم الآشوريون تسمية “عربايا” للإشارة إلى إقليم جزيرة العرب.
وفي أحد نقوش الملك الآشوري شلمنصر الثالث (858–824 ق.م)، وردت تسمية “مات عرباي” والتي تعني أرض العرب، في إشارة جغرافية مباشرة إلى شبه الجزيرة العربية.
- التعريف اللغوي للعرب
اختلف اللغويون والمؤرخون المسلمون في أصل كلمة “عرب”، وأبرز هذه الآراء ما ورد عن ابن تيمية، حيث حدّد ثلاثة معايير لتعريف “العرب”:
- من يتحدثون اللغة العربية.
- من ينتسبون نسبا إلى أصل عربي.
- من يقيمون في أرض العرب (جزيرة العرب).
ومن حيث الاشتقاق اللغوي، يرى كثيرون أن “عرب” مشتقة من الفعل “أعرب”، أي أفصح، ويُقال “رجل معرّب” إذا كان فصيحا. وعلى هذا الأساس، ارتبطت التسمية بالفصاحة والبيان، مما عزز من مكانتها في الوعي العربي القديم.
- يعرب وقحطان وعدنان
بحسب كتب الأنساب العربية، هناك روايتان بارزتان:
- الرواية القحطانية: تنسب العربية إلى يعرب بن قحطان، وتعتبره أول من نطق بالعربية وتعلمها منه إخوته، وهم من العرب العاربة.
- الرواية العدنانية: تنسب العربية إلى إسماعيل بن إبراهيم، وتزعم أنه أول من تكلم بالعربية الفصحى الحجازية، وهو جد العرب المستعربة.
وتعكس هاتان الروايتان التداخل بين البعد اللغوي والأنثروبولوجي في تحديد هوية العرب.
- التفسيرات الجغرافية: عربة ومكة
بعض الباحثين اعتبروا أن كلمة “عرب” مشتقة من “عربة”، وهو اسم أُطلق قديما على مكة، وورد في بعض النصوص أن قريش أقامت بعربة، ونُسب العرب إليها لأن إسماعيل أقام وربّى أبناءه هناك، فتناسلوا وانتشروا في جزيرة العرب.
- الجذور السامية للتسمية
ترجّح عدة دراسات حديثة أن “عرب” كلمة سامية قديمة، استخدمت في بلاد ما بين النهرين للإشارة إلى الأقوام التي تقيم في البوادي الغربية، كـ”عريبي” أو “عربايا”. كما توجد كلمات عبرية قريبة منها دلاليا، منها:
- “أرابا”: تعني الأرض المظلمة أو المغطاة بالعشب.
- “إِرِب”: تشير إلى الحرية والتنقل.
- “عابار”: بمعنى الترحال.
- “عرابة”: ترمز للجفاف، ومنها “وادي عربة”.
وهذه المفاهيم ترتبط كلها بالبداوة والترحال، وهي من الصفات الأساسية التي ارتبطت بالعرب قديما.
- خلاصة
تكشف دراسة أصل تسمية “العرب” عن تداخلٍ لغوي وتاريخي وجغرافي عميق، وتتعدد التفسيرات بين الروايات النصوصية القديمة والروايات العربية التقليدية والنظريات السامية الحديثة. ورغم اختلاف هذه الرؤى، فإن ما يجمعها هو الإشارة إلى جماعات لغوية وثقافية وجغرافية موحدة نسبيا، أعطت اسمها لواحدة من أهم الحضارات القديمة والحديثة.