تربية وتعليم

التعليم في مصر: هل يسد المتطوعون العجز في عدد معلمي المدارس؟

يعد العجز في المعلمين في المدارس الحكومية والخاصة أحد أوجه مشكلة التعليم في مصر، فبحسب تصريحات لطارق شوقي، وزير التربية والتعليم، أدلى بها في أول أيام العام الدراسي الجديد، يتجاوز هذا العجز 200 ألف معلم.


كما أشار مسؤولون في وزارة التربية التعليم في تصريحات سابقة لوسائل إعلام محلية، إلى أن العجز في عدد المعلمين ربما يصل إلى 300 ألف معلم.

وكان طارق شوقي أصدر في العشرين من سبتمبر/أيلول الماضي، قرارا بشأن سد العجز في أعضاء هئية التدريس ينص على فتح باب التطوع للعمل بالمدارس أو التعاقد بنظام الحصة لحملة المؤهلات العليا التربوية مقابل 20 جنيها في الحصة.


وأثار هذا الإعلان بهذه القيمة المادية البسيطة موجة من الجدل، وخاصة بين المعلمين المؤقتين، الذين كانوا ضمن آلاف خاضوا اختبارات التعاقد واستلموا العمل، مثل ما يعرف بمجموعة الـ “36 ألف معلم” و مجموعة الـ”120 ألف معلم”. ويرى هؤلاء المعلمون أنه كان من الأولى الاستعانة بهم بدلا من فتح الباب للمتطوعين.

المعلم المتطوع ما بين النقد والترحيب


قال الدكتور رضا حجازي، نائب وزير التربية والتعليم لشؤون المعلمين في تصريحات أوردتها صحف محلية، إن المتطوع سيقتصر دوره على معاونة المعلمين في الأنشطة وتحضير الدروس أو حل محل المعلم في حالة غيابه. وأكد على أن التطوع “مجاناً”، ولا يتقاضى المتطوع عنه أي أموال.

لكن في حالة التعاقد بنظام الحصة، فإن الحد الأقصى للمعلم أو المعلمة هو 24 حصة في الأسبوع بمقابل يصل إلى 20 جنيها في الحصة، وليس للمتطوع بنظام الحصة – أو المتعاقد بنظام الحصة – أن يطالب مستقبلا بالتعيين على الموازنة العامة للدولة، والأولوية في قبول المتطوعين من الفئات التي خرجت حديثا للتقاعد، أو الذين سبق لهم العمل في إطار مسابقة الـ 36 ألف معلم.

وسواء كان ذلك تطوعاً مجانيا، أو بنظام الحصة، يجب على المتقدم ألا يكون له صلة قرابة بطلاب في المدرسة محل العمل حتى الدرجة الثانية.

وفي المقابل، أدى هذا الإعلان عن الحاجة لمعلمين متطوعين إلى ردود فعل مختلفة تضمنت سخرية من المبلغ المالي “الضئيل” للحصة، و انتقادات لسياسات وزارة التعليم في هذا الشأن، وقد اعتبر أحد أعضاء مجلس النواب هذه الفكرة “إهانة للمعلمين، ولا يليق مطلقا بمعلمي الدولة المصرية”.

وفي وقت سابق، تقدم بعض النواب بطلبات إحاطة بشأن أزمة “الـ 36 ألف معلم”. ودشن معلمون هاشتاغات على وسائل التواصل الاجتماعي للتعبير عن استيائهم من عدم التعاقد معهم، واستنكار فكرة البحث عن معلمين متطوعين وعدم إعطاء الأولوية لهم.

وعلى سبيل المثال، انتشر هاشتاغ “النواب_درع_36ألف_معلم”، وكتب خلاله حساب يحمل اسم محمد العدوي يقول: “نحن أولياء أمور طلاب مدارس مصر نرفض التطوع شكلا وموضوعًا”، ليعبر عن خشية بعض أولياء الأمور أن يقوم بالتدريس متطوعون لا يجيدون شرح الدروس أو التعامل مع الطلاب بشكل تربوي سليم.


وردا على بعض هذه الأمور التي أثيرت، أوضح الدكتور طارق شوقي أسباب طلب متطوعين للعمل في التدريس من خلال حديثه لبرنامج الإعلامي عمرو أديب، إذ أرجع مشكلة العجز في المعلمين إلى “الزيادة السكانية، نظرا لاستقبال المدارس 700 ألف طالب سنويا، وهي أرقام قابلة للزيادة”.


وأضاف شوقي: “كل عام يزداد العجز، لأن المطلوب أكثر ممن يخرجون للتقاعد… ندفع حوالي 85 في المئة من ميزانية الدولة للتعليم كرواتب حاليا. الموارد المالية الموجودة قليلة مقارنة بأحلامنا”.

وأردف وزير التعليم أن باب التطوع مفتوح للعمل في مساعدة المعلم لأن المعلم له مواصفات معينة، وأن وزارة المالية وافقت على دفع 20 جنيها في الحصة للمعلم لحملة المؤهلات التربوية، وهذا لا يعني التعيين ولا تحميل الموازنة العامة للدولة، مطالبا الجميع بالتعاون.


  • أسباب العجز في أعداد المعلمين

يقول وزير التعليم إن الوزارة لن تفتح باب التعيين حاليا لأنه ليس هناك توجه لضم موظفين جدد إلى الجهاز الإداري للدولة، لأن ذلك يترتب عليه أعباء مادية كبيرة.

وقد ساهمت أسباب عدة على مدار السنوات الماضية في زيادة العجز في أعداد المعلمين في مصر، فمنذ أن ألغى رئيس الوزراء السابق كمال الجنزوري عام 1998 ما كان يعرف بـ “تكليف” خريجي كلية التربية – أي التعيين المباشر بعد التخرج بشكل إجباري – بسبب عدم تحمل ميزانية الدولة لذلك، والأزمة تتطور عاما بعد عام.

وبحسب صحيفة الأهرام الحكومية، فإن حجم العجز في المعلمين في عام 2014 بلغ 160 ألفا، أما الآن فقد تجاوز العجز 300 ألف معلم، وفقا للصحيفة.

ومع تدني رواتب المعلمين، فإن أعدادا كبيرة منهم سعت للسفر إلى الخارج، أو الانتقال داخليا لمدارس خاصة، فمتوسط رواتب المعلم في مصر يصل إلى 3000 جنيه، أي ما يعادل تقريبا 190 دولارا شهريا.

وأدى تحول كثير من المعلمين إلى الوظائف الإدارية والإشرافية، والسماح لمعلمين بإجازات خاصة بدون راتب، إلى تناقص أعداد المعلمين في المدارس. فهناك ما يزيد على 45 ألف معلم في إجازات طويلة بدون راتب. ويضاف إلى ما سبق التوسع في إنشاء المدارس، فقد بنت الحكومة المصرية ما يقرب من 60 ألف فصل دراسي منذ عام 2014.


ووفقا لخلف الزناتي، نقيب المعلمين ورئيس اتحاد المعلمين العرب، يخرج من الخدمة ما يقرب من 40 ألف معلم سنويا بعد بلوغ سن التعاقد. وقد ذكر محمد عمر، نائب وزير التربية والتعليم السابق، أن عام 2018 شهد خروج 60 ألف معلم للتقاعد، وهي عوامل أيضا تسهم في زيادة هذا العجز.


  • مشكلة المعلمين المؤقتين

كانت وزارة التربية والتعليم قد أعلنت في فبراير/شباط من عام 2019، عن مسابقة لتعيين 50 ألف معلم بعقود مؤقتة، ولم ينجح في الاختبارات سوى 36 ألفا من المتقدمين.

وفي نيسان/أبريل من العام ذاته، أي بعد شهرين من بدء تلقي الطلبات، استلم المعلمون العمل المؤقت وتلقوا التدريب اللازم، إلا أنه بنهاية مايو/آيار من العام نفسه أنهي التعاقد مع هؤلاء المعلمين المؤقتين. وفي أكتوبر/تشرين ثاني من عام 2019، أعلنت الوزارة عن حاجتها لنحو “120 ألف معلم” لمدة عام، تجدد لمدة 3 سنوات.

وطلبت الوزارة من المتقدمين التسجيل عبر بوابة إلكترونية وتقديم عدد من الشهادات، فمثلا طلبت من معلم اللغة العربية الحصول على ما يعرف بشهادة الكفاءة الدولية في اللغة العربية، وشهادة “ستيم” – الكفاءة في تدريس العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، لمعلمي الرياضيات والعلوم، بالإضافة إلى شهادة الرخصة الدولية لقيادة الحاسب الآلي.

ويقول المتقدمون إن هذه الشهادات كلفتهم مبالغ مالية ليست قليلة، كما أن المعلمين الذين استوفوا الشروط، طلب منهم المجىء إلى العاصمة وإجراء اختبار نفسي، كأحد شروط اختيار المعلمين المناسبين، وفي النهاية لم تتم الاستعانة بهم.

وتقول ولاء سعد، وهي معلمة لغة إنجليزية تخرجت عام 2001 في كلية التربية قسم اللغة الإنجليزية، لبي بي سي، إنها تقدمت لمسابقة مجموعة الـ 36 ألف معلم في فبراير/شباط عام 2019، وبعد أن اجتازت الامتحان الإلكتروني، الذي وصفته بالصعب، وقدمت أوراق التعاقد، وتلقت التدريب، واستلمت العمل في إحدى المدارس، فوجئت أنه تم إنهاء التعاقد معها ومع زملائها الذين اجتازوا الاختبار أيضا.

وكانت العقود بالفعل تنص على أن هذا التعاقد مع المعلمين مؤقت فقط، لكن ولاء تقول إنها كانت تنتظر أن تكون الأولوية لهؤلاء المعلمين لسد العجز بدلا من نشر إعلان جديد لطلب معلمين أو متطوعين جدد بهذا المقابل المادي البسيط.


المصدر

بالعربية

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى