جامعاتُنا العربية والتصنيف العالمي

منذ إقرار جائزة نوبل إلى اليوم، انتشرت عبر العالم مؤسساتٌ عدة ومعاهد ومراكز إحصائية كثيرة،  يُعنى بعضها بتقييم أداء التعليم الأساسي في العالم وجودته، وبعضها متخصص في تقييم مستوى الجامعات وقيمة أبحاثها العلمية والأكاديمية المنجزة عبر العالم.


وتُصدِر بشأن ذلك قائمة تصنيفٍ للجامعات الأفضل في العالم، وتبني هذه المؤسسات والمعاهد إحصائياتها ونتائجَها النهائيةَ عن طريق شبكة من المكاتب والمختبرات التي تعمل على تجميع البيانات وتصنيفها وفق معاييرَ دقيقةٍ وموضوعية، لتُحدد بناءً على ذلك رُتبَ الجامعات ومراكزها المستحقة،


وذلك من خلال مجموع النقط المحصل عليها وفق الاستبيانات التي تضطلع بها الجهات المختصة. وسنعرّج سريعا على بعض هذه المعاهد والمؤسسات قبل أن نفصِّل القول في أزمة التعليم الجامعي في الوطن العربي من خلال استقراء بعض الاحصائيات والنسب، التي صدرت عن بعض هذه المعاهد والمراكز.


ومن بين هذه المراكز نجد:

Webometrics Ranking of World Universities ، ومقره في إسبانيا، وهو تابع للمركز الوطني للبحوث بمدريد، يُغطي حوالي 20 ألف جامعة عبر العالم، ويعتمد تقييما نصف سنويٍّ، يعتمد على قياس أداء الجامعات من خلال موقعها الإلكتروني من حيث الحجم وعدد الأبحاث المُؤشّرة والأثر العام للموقع، ويُصدر لائحة بأسماء الـ 500 جامعة الأفضل في العالم.


ويعرف اختصاراً بـ QS  وهو تصنيف متخصص في التعليم، تُصدره المؤسسة البريطانية Times Higher Education – Quacquarelli Symonds،  مقرها في لندن، تأسست سنة 1990، ولها فروع عديدة عبر العالم.


ويهدف تصنيف التايمز كيو إس إلى تصنيف الجامعات ذات المستوى العالي،  سنويا لأفضل 800 جامعة في العالم، وفق معايير محددة منها، السمعة الأكاديمية للجامعة، نسبة الأبحاث المنشورة لأعضاء هيئة التدريس، نسبة الطلاب والأساتذة الأجانب في الجامعة.


تُعنى هذه الصحيفة أيضا بتقييم أداء الجامعات عبر العالم، وتصدر تصنيفا دوريا بخصوص ذلك.

مقرها في بريطانيا، تعمل على تقييم جودة التعليم الجامعي في بريطانيا.

والذي يُعرف اختصارا بـ (ARWU)، وهو مركز تابع للمعهد العالي للتعليم بجامعة شانغهاي في الصين الشعبية، ويضم كبرى مؤسسات التعليم العالي، يعتمد معايير موضوعية في تصنيف أفضل الجامعات وأكثرها إشعاعا في العالم، يُصْدر هذا المعهد تصنيفا سنويا لجامعات العالم وفق معاييرَ انتقاءٍ صارمةٍ، تتمثل في جودة الخريجين وجودة الأساتذة.


 وعدد الأبحاث العلمية الجادة، وعدد براءات الاختراع، بالإضافة الى جودة مرافق الجامعة، ومدى توَفّرها على التجهيزات الأساسية في المختبرات، ومدى توفر وسائل وآليات التدريس الحديثة، ومدى ملاءَمة المكتبات للمعايير الأكاديمية المعمول بها عالميا.


بالإضافة إلى جودة السكن الطلابي، ومستوى الملاعب والمرافق الرياضية، وحجم الميزانية المخصصة لتمويل المشاريع والأبحاث الجامعية، كما يتم اعتماد عدد المترشحين لجائزة نوبل وغيرها من الجوائز الوازنة عالميا، ويقوم هذا التصنيف على ثلاث مراحل من الجرد:


المرحلة الأولى، يتم فيها  جرد 2000 جامعة من أصل 10 ألاف  جامعة مسجلة في اليونسكو، مِن التي تتوفر فيها المؤهلات الأولية للمنافسة، وتتم في المرحلة الثانية إقصاء 1000 جامعة، ثم تتنافس ألف جامعة الباقية على المراتب الـ 500 الأولى لأفضل جامعات العالم.


(U.S. News & World Report College and University rankings)  تقوم هذه المجلة بإعداد ترتيب وتصنيف سنوي لأفضل جامعات العالم، عن طريق معطيات واستبيانات يتم جمعها من مختبرات الرصد ومراكز التتبع المُنشأة لهذا الغرض، ويعتبر هذا التصنيف الأكثر صرامة.


سنعرّج سريعا على عينات من التصنيفات من بعض هذه المعاهد والمؤسسات لنؤسس عليها في تقييم مستوى جامعاتنا العربية.


سنعتمد في البداية على التقييم السنوي الذي أصدره معهد (جياوتونغ) 2015، وسنكتفي فقط بـ 100 جامعة الأولى في عالم، حيث هيمنت المؤسسات والجامعات الأمريكية على التصنيف، بمعدل 50 جامعة أمريكية من مجموع 100 جامعة الأولى في العالم.


أي بمعدل النصف، في حين حلّت بريطانيا في المركز الثاني بمعدل 9 جامعات معظمها في المراتب الأولى، اليابان 3 جامعات، فرنسا وألمانيا وكندا وسويسرا بـ 4 جامعات ، أستراليا 3 جامعات، بلجيكا جامعتين،  إسرائيل والنرويج، السويد، الدانمارك وروسيا بجامعة واحدة (متفاوتة من حيث مراتب التصنيف في المراكز المئة الأولى).


ونلاحظ غياب تام للجامعات الإفريقية بما فيها جامعات دولة جنوب إفريقية، كما نلاحظ غياب جامعات أمريكا الجنوبية، ومنطقة الشرق الأوسط (إيران وتركيا)، والمنطقة العربية باستثناء إسرائيل التي حَلَّتْ جامعتها العِبْرية في الرتبة 70.


أما فيما يخص التصنيف الذي أصدرته المجلة الأمريكية “التايمز” The Times Higher Education World University Ranking، والذي يعد من أكثر التصنيفات معيارية وصرامة في العالم فنجد:

من أصل 20 جامعة الأولى في العالم، 15 منها كلها من الولايات المتحدة الأمريكية.

ثماني جامعات كندية، أربعة منها في المراكز المئة الألى، في حين هيمنت الجامعات الأمريكية على التصنيف بقوة وفي المراكز الأولى.

في القارة  الآسيوية، حصلت كل من الجامعات اليابانية والصينية على المركز الأول مناصفة بـما مجموعه 11 جامعة لكل دولة، و9 جامعات لكوريا الجنوبية، و6 جامعات لكل من هونكونغ وتايوان، و4 جامعات للهند، وجامعتان لسنغافورة، أما تركيا فقد حضرتْ 6 من جامعاتها في التصنيف مقابل جامعة واحدة فقط لإيران، في حين غابت الجامعات العربية في منطقة الخليج والشام عن التصنيـــف.

لم تتجاوز عدد الجامعات المستوفية لشروط الانتقاء أربع جامعات، منها جامعتان للبرازيل، وجامعة واحدة للشيلي، وجامعة واحدة لكولومبيا.

تم تصنيف 4 جامعات فقط، ثلاثة منها من جنوب إفريقيا، وجامعة واحدة فقط من المغرب هي جامعة القاضي عياض التي حلّتْ في المركز 301 عالميا، في حين غابت أعرق الجامعات العربية كجامعة القرويين في المغرب، والزيتونة في تونس، والجامعات المصرية.


أما الحضور العربي الجد محتشم فقد كان في تصنيف مؤسسة “ويبومتركس” يناير 2015  مثلته جامعة واحدة هي جامعة القاهرة وجاءت في المركز 299.

وحسب نفس المؤشر فإن أفضل 25 جامعة في العالم نجد:

أما تصنيف (QS) لسنة 2014/2015 فقد تضمن ثماني جامعات عربية من ضمن أفضل 500 جامعة في العالم، منها 3 من السعودية والجامعة الأمريكية في بيروت، والجامعة الأمريكية في القاهرة، و3 من الإمارات، وكلها فوق حاجز الـ 220 جامعة فما فوق في سلم التصنيف.


نعلم بداية أن الجامعة هي (الأساتذة + الطلاب + الموارد المادية)، هذه الركائز الثلاث، هي من يتحكم في مخرجات التعليم الجامعي ( نوعية الأساتذة + نوعية الطالب + نوعية البحوث المنجزة والمنشورة) سَلبا وإيجابا حسب جودة هذه الركائز، وهذه الركائز والمخرجات تتحكم فيها (الحكومات + الجهات المانحة + إدارة الجامعة).


لا يُنكر أحد أن كثيرا من الأستاذة والدكاترة العرب الباحثين، من ذوي الكفاءات والمواهب العالية الذين يُدرِّسون ويحاضرون في كُبرى المعاهد والجامعات على مستوى العالم، هم وبالقطع مِن خريجي الجامعات العربية، ومِن هذه المُسَلَّمَة يُمكن أن نصوغ سؤالا محوريا، الإجابة عليه ستختصر لنا كثيرا من المسافة، وتوفر علينا كثيرا من الجهد والبحث. والسؤال هو:


لماذا لا تستطيع جامعاتنا العربية المنافَسَةَ على المراتب المئة الأولى عالميا، رغم كونها تُخَرِّج أساتذةً متفوقين يُحاضرون في كُبرى الجامعات العالمية ؟؟

معلوم أن أيَّ أمة على ظهر هذه البسيطة، لا يمكن أن تقوم لها قائمة أو يكون لها شأن، إلا إذا حازت من العلم نصيبا موفورا، والعلم لا يكون إلا بالتعلم، وبالتالي فالتعليم ركن أساسي وعِمادُ محوري في تقدمِ الأممِ وتطورِها ورُقيِّها وازدهارِها.


وهذا التعليم يحتاج الى مؤسسات متفاوتة المهام والمستوى وموحدة الأهداف والمساعي. ونجد في أعلى هرم هذه المؤسسات نجد الجامعات.


هذه المؤسسات التي تسمى جامعات لا يكنها أن تقدمَ أي شيء أو تُحقق أيًّا من الأهداف التي بُنيتْ لأجلها إذا لم تتوفر فيها الأسباب الموضوعية والعوامل الضرورية والحيوية التي لا تقوم الجامعة إلا بها وعليها.


تنفق إسرائيل ما يقارب الـ6% من إنتاجها القومي على البحث العلمي، وهذه النسبة مِن بين أعلى نِسب الإنفاق في العالم، وبعملية بسيطة سنجد أن هذا الرقم (6%) أعلى بحوالي 6 مرات مما تُنفقه الدول العربية على البحث العلمي مجتمعة (أقل من 1%) من مجموع الناتج القومي العربي.


البحث العلمي، مجموعة من النشاطات والتقنيات والوسائل والأدوات التي تبحث في ظواهر معينة بهدف زيادة المعرفة وتوظيفها في تنمية مختلف جوانب الحياة. ولا يُسمى البحث علميا إلا إذا بُني على فرضية، وأوصل الى نتائج.


هذه النتائج تكون قابلة للقياس والتَّحَقُّقِ مِن دقتها عن طريق التجربة أو الملاحظة، ثم تصنيفها وإدراجها تحت نظرية معينة. ولإنجاز بحث وفق هذه المعايير الأكاديمية، لابد أن تتوفر الجامعة على مختبرات عصرية مجهزة تجهيزا يستجيب لطموحات البحث العلمي الجاد.


يمكن لأي طالب يدرسُ أو أستاذ يُدرِّسُ في جامعاتنا العربية أن يلاحظ حجم الفقر والهشاشة التي تنخر جسد الجامعة بدأ بضعف البنى التحتية مِن أقسامٍ ومدرجاتٍ ومختبراتٍ ومراحيض و…، والتي تنعكس آليا على البُنى البَحثية وبالتالي تُدَنِّي الكفاءةَ الانتاجية الفكرية والمعرفية والابداعية.


وتشير بعض الاحصاءات الى أن نِتاجَ عشرةِ باحثين عَرَب، يُعادل نِتاجَ باحثٍ واحد في متوسط المعدل الدولي. عِلما أن متوسط عدد الباحثين في الدول العربية بالمقارنة مع عدد السكان وِفْقَ التصنيف الدولي لا يتجاوزُ الـ500 باحث لكل مليون شخص (يدخل في هذه الـ500 حاملي شهادة الدكتوراه والأساتذة الجامعيين باعتبارهم باحثين).


في حين يتعدى متوسط عدد الباحثين في كل مليون نسمة في الدول المتقدمة (أمريكا / اليابان/ ألمانيا / كندا / بريطانيا / …) حاجر الـ 4,000 باحث. فيما يُقدَّر عدد الباحثين إجمالا في العالم بحوال 10 ملاييــن باحث.


تنشر المطابع ومؤسسات النشر في العالم العربي ما يُقارب 15,000 كتابٍ وبحثٍ سنويا، ولكن الأبحاثَ العلمية المنشورة في المجلاتِ المُحَكَّمَة قليلةٌ جدا، ومحدودةُ الجِدَّة والتأثير في المباحث  العلمية المختلفة.


ولا يزال عالمنا العربي (في الألفية الجديدة) مُجردَ مستهلكٍ (فوضويٍّ) للعلوم لا أكثر، وأكثرُ مختبراته نشاطاً هي مختبرات التعريب والترجمة، في حين نرصد فراغا مهولا على مستوى الإبداعِ والتطويرِ والخلْقِ وإثراء المعرفة الإنسانيـة.


وكنتيجة منطقية وطبيعية لهذه الحالة المتردية لجامعاتنا العربية والباحث العربي (على حد سواء)، فقد انعكس هذا الفقر الى فقرٍ في براءات الاختراع. وسنورد بعض الأرقام، ونُجري بعض المقارنات لتوضيح حجم الفقر المعرفي والعِلمي العربي، مقارنةً مع دولٍ كانت الى الأمس القريب أسوءَ حالا من العرب وأشدَّ بؤسا.


سجلتْ إسرائيل ما يُقارب 20.000 ألف براءةِ اختراع، بينما سجَّل العربُ مجتمعين حوالي 900 اختراع فقط عبر تاريخهم الى يوم الناس هذا، أي حوالي 5% فقط من مجموع براءات الاختراع في اسرائيل (علما أن تاريخ ما يسمى بدولة إسرائيل لا يتعدى عقودا قليلة وحسْب).


قد يقول البعض أن هذه المقارنة مجحفة نظرا لعدم مراعاتها لعدة اعتبارات واكراهات، جعلتْ الجامعة العربية في أسفلِ سافلين، (بعد أن كانت حاضرة المعرفة وإشعاع الحضارة الانسانية قبل قرون خلتْ)، وجعلتْ الباحث العربي (الأكاديمي) باحثا مغمورا يُقلد أكثرَ مما يبدعُ وينتج ويطور (بعد أن كان حَبْرًا وعلامةً ومشكاةً للعلم).


بعودتنا للإحصاءات ذاتها التي مَهَّدنا بها لدراستنا هذه، نجد أنَّ حتى الدول التي يُفترض أننا نتساوى معها، على اعتبار أوجه التشابه العامة (اقتصاديا، ثقافيا وتنمويا )، قد صارت جامعاتها حاضرة في التصنيف العالمي، وبَعضها يُنافس وبقوةٍ لتحسين موقعها ضمن المئة جامعة الأولى في العالم، ونقصد هنا كلا من (ماليزيا (ممثلة بجامعة واحدة) / إيران (ممثلة بجامعتين) / تركيا (ممثلة بـ 6 جامعات)).


إن التشابه الذي نتحدث عنه، ليس إلاّ تشابها عَرَضيا لحظِيَّا، تَم تداركه وتجاوزه من طرف تلك الدول، التي صححتْ مسارها وانطلقتْ نحو تنمية حقيقية وشاملة، في حين أن الوَهنَ العربيَّ وَهَنٌ مُزْمِنٌ وقارٌّ يتطور نحو الأسوأ.


يَحدثُ كل هذا في الوقت الذي  تعتزم فيه دولة (نيجيريا) الانضمام الى قائمة الاقتصاديات العشرين الأقوى في العالم بحلول عام 2020، وذلك بزيادة نسبة الإنفاق على البحث العلمي والتطوير ليصل الى النِّسبِ المسجلة في اقتصاديات الدول العشرين المتقدمة في العالم.


هناك عدة معاهد ومؤسسات علمية عالمية، تقوم برصد وإحصاء عدد الاقتباسات والاستشهادات بالبحوث والأطروحات والمقالات العلمية المحكّمة، المستشْهَد بها عبر العالم، وتُعبر وكالة (تومسون رويترز) أشهر الوكالات في هذا المجال (الإحصاء)، بالإضافة كذلك الى شركة (غوغل)، وهي أكبر محرك للبحث الالكتروني في العالم.


والتي تُعتبر مِن المؤسسات العالمية الرائدة في رصد وإحصاء عدد الاقتباسات والاستشهادات للبحوث العلمية والمقالات المحكَّمَة والأطروحات، وذلك عن طريق نظام بحث جديد هو (جوجل سكولار)، وقد قامت مؤخرا برصد وتجميع قائمة خاصة بأكثر مئة بحث مستشهد به، وذلك لصالح مجلة (Nature)[1] الدولية للعلوم.


وللأسف ضمن كل مئة بحث مستشهد به يوجد بحث عربي واحدٌ فقط. فين حين تهيمن البحوث الاسرائيلية والإيرانية والتركية في الشرق الأوسط، بالمقابل يُهيمن الأكاديميون الصِّينيون والفيليبينيون والماليزيون والسنغافوريون على المقالات العلمية المحكمة جنوب شرق آسيا.


كشفتْ تقاريرُ اليونسكو (2010) أن الدول العربية تقبع في مؤخرة الدول المُنْفِقة على البحوث العلمية والتطوير والابتكار والمعرفة، رغم غناها بالثروات الطبيعية، التي تجني منها عائداتٍ ماليةٍ ضخمة (دول الخليج النفطية + ليبيا، الجزائر والسودان).


وأشارتْ ذاتُ التقارير الى أن مستوى الإنفاق على البحث العلمي في الدول العربية مُتدنٍّ بشكل كبير جدا، ولا يزال دون المعدل المتوسط. (الدول النفطية أقلُّ الدولِ العربية إنفاقا على البحث العلمي / الخليج العربي باستثناء دولة قطر، وتونس والمغرب ومصر الأعلى إنفاقا بين الدول العربية).


ويكفي أن نشير الى أن الباحثين اللامعين والمتميزين  الذين يتخرجون من الجامعات العربية وأغلبهم يصل بمجهوداته الذاتية (الموهبة + الطموح)، يجدون أنفسهم بين خيارات ثلاثةٍ أحلاهَا عَلقَم، فإما الهجرة أو التأقلم أو البطالة، وأغلبهم يختارون الهجرةَ الى الغربِ بسبب انسداد الأفق البحثي والعلمي والوظيفي في الجامعات العربية.


حيث يتحول الاستاذ الجامعي في الجامعات العربية مِن باحث الى معلِّم، (غياب معاهد ومختبرات ومراكز  ذات مواصفات عالمية للبحوث والتطوير والابتكار، لدراسة التحديات المستقبلية التي ستواجه المنطقة العربية، كأزمة الماء والأمن الغذائي ومصادر الطاقة  ومشكل التصحر،…) ومِن مُحاضرٍ الى مُلقّن، ومن أكاديميّ متخصص الى موسوعيّ مبعثرِ الزاد العلمي،


وبالتالي تزيدُ هذه الهجرة (هجرة الأدمغة) مِن تفاقم واقع البحث العلمي الهش أصلا والمتداعي في العالم العربي. وهذه العينة ليست سوى الشجرة التي تخفي غابة من الطاقة الشبابية  الباحثة (طلبة الماجستير والدكتوراه) التي تعيش البطالة، في ظل غياب أيةِ مشاريعَ إدماجية، ووظائف تراعي تخصصاتِهم وتكوينَهم العلمي، مما يضطر معظمَهم الى تغيير بوصلته مئة وثمانونَ درجة فَيُمْسِي الطالبُ باحثا ويُصبِحُ عاملا أو أجِيرا أو حِرَفِيَّا أو بِطاليًّا متسولا.


أصبحتْ الأنترنت والوسائط الرقمية المختلفة أحد أهم أدواتِ نقل المعرفة، نظرا لما تُتيحه من جودة في الأداءِ وسهولة في الشرح وتوصيل المعرفة والمعلومات، بالإضافة الى فاعليتها النوعية والكمية وميزتها القصوى في ربح الوقت والجهد.


وبالتالي صارت الانترنيت والتقنية الرقمية (الأجهزة الرقمية المختلفة)، ضرورية في كل جامعةٍ ومعهدٍ ومؤسسة، وهذه الأمور من المعايير التي تعتمدها المؤسسات العالمية لتصنيف الجامعات. ولكن للأسف الشديد مازالت مُعظم الجامعات العربية لا تتوفر حتى على المرافق الأساسية والضرورية، وإنْ وُجدتْ فهي لا تَرقَ الى المستوى المطلوب.


على مستوى المكتبات، تعاني الغالبية الساحقة من مكتبات الجامعات العربية، من مشكل التنظيم والتسيير وعدم الكفاءة والفاعلية، بدأ بصعوبة وبدائية جرد الكتب والمراجع، حيث غالبية الجامعات العربية مازالت تعتمد الجرد اليدوي (نظام الاستمارة)،


حيثُ تصلُ المدة الفاصلة بين تسليم الاستمارة واستلام المرجع الى ساعاتٍ أحيانا، أما الحواسيب التي تؤثَّثُ بها فضاءات المكتبة في بعض الجامعات فمُعظمها للزينة فقط، ولإغراء البعثاتِ العلمية والوفود الزائرة، فمعظمها تالفٌ وخارج الخدمة، باستثناء حاسوبٍ أو اثنين،


وحتى هذين الحاسوبين غير موصولين بخدمة الانترنيت، وينتميان الى الجيل الأول من الحواسيب البدائية. ناهيك عن حالة الخلط المريعة بين كُتُبِ مُخْتَلِفِ الشُّعَبِ والتخصصات، وليس انتهاءً بمشكل النسخة الفريدة (في بعض الجامعات العربية عندما يكون هناك نسخة واحدة من كتابٍ مُعين يضعون عليه شريطاً أحمرَ لاصقٍ منقوشٌ عليه نسخة فريدة / خاص بالإعارة الداخلية فقط).


فيعتقد الطالب أن هذا المرجعَ ليس مجردَ كتابٍ عاديٍّ، بل هو مخطوطٌ قديم وقيِّم، في حين أن مثلَ هذه الكتب، ليست لا نُسخا فريدةً ولا نادرة، بل مجرّدَ مراجعَ عاديةٍ، ومتوفرةٍ في كل المكتبات وخزاناتِ الكُتب.


بالإضافة الى غياب سياسةٍ علميةٍ ومنهجية في مواكبة جديد الإصدارات، وإمداد المكتبات بالمراجع التي تجِدُّ على الساحة العلمية والأدبية، أما الأطر المشرفة على المكتبات الجامعية، فهي غير مُدربة، ومغمورةٍ في مجال الخدمة المكتباتية، أضف الى ذلك كلِّه مشكلَ الاكتظاظ، وغيابِ فضاءات مثالية للمكتبة الجامعية … وهلُمّا جرّا.


لقد تخلّتْ الجامعات في وطننا العربي عن دورها الأساسي المتمثل في البحث والتطوير والابتكار، وصارتْ امتدادا للمدرسة (إعدادي/ ثانوي)، تنتهج أسلوب التعليم والتلقين والتحفيظ، مما تسبب في قتل الإبداع والابتكار عند الطلبة، وجعل جامعاتِنا مجرَّدَ هياكل فارغة، ومساحات خضراء للتدخين وشرب القهوة، وقتل الوقت، وممارسة الغراميات، وامتصاص القوة الشبابية العربية لسنوات طويلة، وتخريجهم شِبْهَ أُمِّيِّينَ، ورميهم الى المجهول بشهادةٍ عقيمةٍ لا تسمنُ ولا تُغْني من جوع.


الجامعة الوطنية مُهمّتُها بناء الأمة، وبناءُ نُخبةٍ قادرةٍ على بناءِ اقتصادٍ قويٍّ، وإنتاجِ علْمٍ وثقافةٍ، وكتابةِ أدب.


هذا الطموح لن يتأتَّ لجامعاتٍ مازالتْ تستعمل السبورة والطباشير في قاعاتٍ ومدرجاتٍ طويلةٍ عريضةٍ، ليس فيها حتى مُكبراتٌ للصوت.



في ظل هذه الحالة البائسة البئيسة، المُزرية والشَّاذة، لا يمكننا إطلاقا أن نحلم بجامعات نموذجية، تنافس الجامعات العالمية، وتخرّجُ باحثينَ حقيقيين، وتُحسّنَ موقعَها في التصنيف العالمي.


لا يمكن لأية جامعة أن تؤدِّيَ مهامَها الأكاديمية البحثية والتطويرية، دون وجود الموارد المالية اللازمة لذلك، حيث تُعتبر هذه المواردُ ضروريةً وحيوية بالنسبة للجامعة، لأجل تحقيق أهدافها بكفاءة وفعالية وجودة.


تتعدد وتتنوع مصادر التمويل في الجامعات العالمية، بدأ بالتمويل الذاتي الذي تنتهجه بعض الجامعات الخاصة أو التي تبنتْ مشروع الخصخصة سواء الجزئية منها أو الكلية، المفضي إلى استقطاب طلبة ذووا قدرات مادية تستوعب رسوم التسجيل الجامعي الباهظة الثمن، كما تمارس هذه الجامعات نشاطات تجارية واقتصادية ربحية لتوفير النفقات الضرورية  ومنها:


كل هذه الإجراءات والخطط التي انتهجتها خاصة الجامعات الأوربية والأمريكية، حققتْ فائضا في ميزانية هذه الجامعات، جعلت ميزانية بعض هذه الجامعات تفوق ميزانية دول بأكملها (ميزانية جامعة هارفرد تُقارب الـ50 مليار دولار).


تعتمد معظم الجامعات العالمية خاصة المرموقة منها مبدأ الخصخصة، سواء الجزئية منها أو الكلية لتحصيلِ عائداتِ التمويل، بما يضمن نهوض الجامعات بمهامها البحثية والتطويرية، ويدعم هذا التوجه القدرة الشرائية العالية لمواطني بعض هذه الدول، والتي تغطي نفقة وتكاليف الدراسة في مثل هذه الجامعات المرموقة. مما يجعل هذا الإجراء غير ذي عوائد سلبية على المواطنين،


بخلاف الوضع في عالمنا العربي (باستثناء بعض الدول والإمارات النفطية محدودة الكثافة الديمغرافية) حيث التعليم الجامعي مجاني في غالبية الدول العربية، إلاَّ من بعض الرسوم الرمزية، بسبب انخفاض القدرة الشرائية لدى المواطنين، مع تفشي البطالة والفقر وغياب الحكامة، واستشراء الفساد في تدبير الثروات وعائداتها المادية الضخمة.


نجد أن الجامعات العربية تعتمد اعتمادا كليا في تمويلها على الميزانية المرصودة من طرف الحكومات المركزية (وزارة التعليم العالي) والذي يصل في بعض الدول العربية الى 90%، ويتم تحصيل الـ 10% الباقية من رسوم التسجيل الجامعية.


معلوم عند الباحثين والأكاديميين العرب والغربيين أن قَطَرْ هي الدولة العربية الوحيدة التي تمول مشاريع الأبحاث الجامعية والأبحاث الخاصة الواعدة، عربيا ودوليا، ولكن دولة واحدة لا يمكنها أن تنهض بكل هذا العبء الثقيل، وبالتالي وجب إيجاد مصادر أخرى مختلفة ومتنوعة لتمويل البحوث الواعدة والجادة، وذلك عن طريق:

كيف نُحوِّل جامعاتِنا إلى مؤسساتٍ تعليمية حقيقية، وليس فقط إلى مكاتبَ لتوزيع الشواهدِ وتخريـج جيوشٍ من الأُمِّيِّينَ والمُعطَّلين ؟

ثمة سؤالٌ محوريٌّ غائب أو (مُغَيَّبٌ) لدى الجهات المسؤولة والمعنية بالتعليم العالي في الوطن العربي، هذا السؤال هو (ماذا نريد من جامعاتنا العربية ؟؟)، إذا لم نجب على هذا السؤال، فلا معنى لأي إصلاحٍ قادمٍ مَهْمَا بَدا واعِدا.


إذا لم نعرف ماذا نريد بالضبط، فلن نصل الى أي شيء، وحتى نكون منطقيين، فإنّنا لا نطمحُ في السنوات القادمة الى أن نكون ضمن الـ20 جامعة الأولى في العالم، لأن هذا الأمرَ تراكميٌّ، ويحتاج الى سنوات من الجهد والعمل والعطاء، وكلما تأخرنا في الإصلاح، كان الأمر أصعب وأبعد.


ونوردُ هنا بعض النقاط المهمة والمُلِحَّة التي يجب التركيز عليها والتعجيل بها:


لا بد أن نشير هنا، الى أن هناك ترابطا وتواصلا قويا بين مختلف طلبة الوطن العربي، عن طريق الشبكة العنكبوتية (الوسائط الجماهيرية – مواقع التواصل الاجتماعي – المنتديات) وإن كان هذا التواصل والترابط غير منظم وتغلب عليه العشوائية، ويتعلق في معظمه بتبادل الخبرات والبحوث والأطروحات، وتداول بعض الأسئلة والروابط فيما يتعلق بالمؤتمرات والندوات، والمباريات (ماستر / دكتوراه / وظيفة)، في حين يغيب هذا الترابط والتواصل بشكل مفزع بين الجامعات العربية، وهيئات التدريس فيها، باستثناء التنسيق العرضي واللحظيِّ الذي يكون لدواعي تنظيمية (مؤتمرات ندوات، أيام ثقافية …).


نخْلُصُ في آخر هذا البحث المتواضع، والذي حاولنا فيه قدر المستطاع تسليط الضوء على واقع التعليم الجامعي في وطننا العربي، وأبرزنا أهم نقاط الضعف فيه، وتطرقنا الى بعض الحلول التي يمكن أن تخرج بالتعليم الجامعي العربي من ركودِه وأزمتِه، وحالة الفســـاد والتدهور التي يعيشها منذ عقود من الزمن.  ففساد التعليم في أي رقعة من هذه البسيطة يعني: فساد الصحة وفساد الخدمات وفســاد الإدارة وفساد.


– التقرير العالمي لرصد التعليم للجميع يناير 2014-2013، منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة  ( اليونسكو)

– تقرير اليونسكو عن العلوم بتاريخ 10 نوفمبر لعام 2010 ، بمناسبة اليوم العالمي للعلوم.

–  موقع : الطبعة العربية من مجلّة (دورية العلوم الدولية  Nature). متعددة التخصُّصات  http://arabicedition.nature.com/

– مركز الزيتونة للدراسات والأبحاث والاستثمار، دراسة مقارنة بين الدول العربية وإسرائيل في البحث العلمي وبراءة الاختراع.

– موقع مؤسسة الفكر العربي، د خالد صلاح حنفي محمود

University Web Rankings 2015

Academic Ranking of World Universities )ARW 2014 (

The QS World University Rankigs 2014/2015

The Times Higher Education World Unviresity Rankings 2014/2015

U.S. News & World Report College and University rankings  2014 /2015

Exit mobile version