البحث العلمي

ما حقيقة نظريات المؤامرة حول انتشار فيروس كورونا ؟

 

نشر موقع “فورين أفيرز” مقالا للباحث في الصحة العامة، يانزهونغ هوانغ، يقول فيه إن حالة عدم الثقة بين الولايات المتحدة والصين هي سبب في انتشار نظريات المؤامرة الخطيرة حول فيروس كورونا.

ويؤكد هوانغ في مقاله، الذي ترجمته “عربي21″، أن هذا الوضع يضعف من جهود مكافحة الفيروس.

ويبدأ الكاتب مقاله بالقول إن “عشرات الآلاف أصبحوا مرضى، ومات أكثر من 2900، وانتشر الخوف أسرع من الفيروس، وأغلقت المصانع، ووضعت الحواجز على الطرقات، وحوصرت القرى وأغلقت المدن، وتعد موجة انتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) أخطر أزمة اجتماعية سياسية تواجه القيادة الصينية منذ عام 1989، الذي شهد قمعا في ساحة تيانامين، إلا أن الأزمة لم تنحصر في الصين، بل إن الفيروس انتشر إلى خارج الحدود الصينية، وسيترك الرد الفزع على هذا الانتشار أثره على السياسات والأمن والحكم”.

ويعتقد الباحث أن “كون هذا الفيروس يترك الكثير مما لا يعرف عنه، فليست لدينا أي فكرة حول طريقة انتشاره ولا حدة انتشاره، ولا نعرف عن مدة الحضانة للفيروس، التي قد تستمر لـ24 يوما، كما لا نعرف عن مدى عدوى الأشخاص قبل ظهور الأعراض عليهم، ولا نعرف لماذا أثبتت الفحوص إصابة أشخاص حتى بعد تعافيهم الظاهري”.

ويرى هوانغ أن “الشائعات تنتشر بناء على غياب اليقين، والموجة الجديدة من فيروس كورونا المستجد أضافت الجديد، فخلال أسابيع من ظهور المرض المعدي حفلت منصات التواصل الاجتماعي بإشارات إلى أن الفيروس كان سلاحا بيولوجيا طورته الصين تسرب من المختبرات في ووهان، أو أن أمريكا هي التي تقف وراء انتشار الفيروس في ووهان، ومع أن الشائعات لا أساس لها؛ لأنه لا الولايات المتحدة أو الصين لديهما المحفزات لتطوير سلاح بيولوجي، لكن من الصعب تبديدها، وذلك بسبب نظرة الشك لدى القادة العسكريين في البلدين حول دوافع كل طرف لتطوير برامج أمن بيولوجي، وأثرت التنظيمات الضعيفة للصين في مجال الأمن البيولوجي، وعدم سماحها لخبراء الأمراض الأمريكيين من دخول ووهان على طرق مكافحة المرض”.

ويشير الكاتب إلى أنه “منذ البداية، أخبر الرأي العام أن المرض انتشر بسبب ملامسة الإنسان للحيوانات البرية الحية، إلا أن انتشاره المفاجئ والغموض الذي رافق الفيروس فتح المجال أمام التكهنات حول إمكانية توليد الفيروس بطريقة الهندسة الوراثية، وعززت هذا الفهم ورقة بحثية لعلماء هنود قالوا إن الفيروس يحمل مكونات من فيروس أتش أي في الذي يسبب الإيدز، ورغم سحب الباحثين الورقة بطريقة طوعية، إلا أن الرابط أثار انتباه مواقع مثل (زيرو هيج) الذي زعم أن فيروس كورونا المستجد هو نوع جديد طورته الصين سلاحا، ولم يستبعد السيناتور الجمهوري عن ولاية أركنساس، توم كوتون، في حديثه مع (فوكس نيوز) إمكانية تسربه من مختبر في ووهان”.

ويلفت هوانغ إلى أن “(تويتر) منعت موقع (زيرو هيج)، إلا أن منصات التواصل الاجتماعي حافلة بالتكهنات حول أصول الفيروس، وأنه مؤامرة أمريكية ضد الصين، ومن نظريات المؤامرة التي انتشرت أن الجنود الأمريكيين الذين شاركوا في مهرجان الألعاب العسكرية الدولي لعام 2019 هم الذين سربوا الفيروس في سوق الثمار البحرية في ووهان، وحذر جنرال متقاعد في جيش الشعب للتحرير من (نوع من الحروب البيولوجية) ودعا إلى بناء نظام دفاعي بيولوجي في الصين”.

ويقول الباحث إن “اندلاع موجة الفيروس في الصين ليس الأول من نوعها، ففي الفترة ما بين 2002- 2003 شهدت الصين موجة سارز، وزعم باحث علمي روسي أنه كان عبارة عن مزيج من الحصبة والنكاف الذي تطويره في المختبر، واعتبر عدد من الصينيين أنه محاولة أمريكية لاستهدافهم”.

وينوه هوانغ إلى أنه “في أمريكا ربط خبراء الصين بين سارز والحرب البيولوجية الصينية، لكن سارز لم يكن سلاحا جينيا، وبحسب مركز الولايات المتحدة للسيطرة على الأمراض ومنعها فإن من بين 166 حالة سارز سجلت في أمريكا عام 2005، كانت نسبة 58% منهم بيضا و32% من أصول آسيوية”.

ويتساءل الكاتب عن فرص قيام الصين أو الولايات المتحدة لتطوير أسلحة بيولوجية، قائلا إن “التاريخ يخبرنا عن محاولات أمريكية في الحرب العالمية الثانية لتطوير عوامل بيولوجية، ولدى هذه الأسلحة مشكلاتها، فهي لا تترك أثرها بشكل مباشر، وربما أصابت الجيش الذي قام بإطلاقها، وهي حساسة للطبيعة والظروف الجوية، ولهذا السبب قد تؤدي إلى تلوث المنطقة لمدة أطول من الوقت المحدد، ومع ذلك ظلت الولايات المتحدة تقوم بتطوير أسلحة بيولوجية في مرحلة ما بعد الحرب”.

ويفيد هوانغ بأن “ماثيو ميزلسون من جامعة هارفارد قاد حملة ناجحة ضد الأسلحة البيولوجية في الستينيات من القرن الماضي، وفي عام 1969 تخلصت أمريكا من أسلحتها البيولوجية الخطيرة، وساهمت في التفاوض على معاهدة حول الأسلحة البيولوجية، التي منعت إنتاج وتخزين وتحميل العوامل البيولوجية”.

ويقول الباحث إن “الصين جاءت لهذا الميدان متأخرة، لأنها كانت هدفا للحروب البيولوجية اليابانية أثناء الحرب العالمية الثانية، ولهذا شعرت الصين أنها مجبرة على بناء منشآت بحث للحروب الدفاعية البيولوجية، وفي عام 1951 افتتح رئيس الوزراء تشوان لاي أكاديمية العلوم الطبية العسكرية للقيام بأبحاث دفاع بيولوجية”.

ويشير هوانغ إلى أنه “لكون الصين لم تحصل على السلاح النووي إلا في منتصف الستينيات من القرن الماضي فلربما حاولت استكشاف طرق لتطوير الأسلحة البيولوجية بصفة ذلك حلا وحيدا أو ردعا استراتيجيا، وبحلول 1982 حصلت الصين على ترسانة نووية قوية، وبعد عامين وقعت على معاهدة الحد من السلاح البيولوجي؛ لاعتقادها أن الترسانة النووية أكثر فعالية”.

ويلفت الكاتب إلى أن “الصين بدأت في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي تركز على الإصلاح الاقتصادي، حيث خف الدعم للأبحاث البيولوجية، وتحول عمل المراكز نحو المنتجات المدنية”.

ويجد هوانغ أنه “رغم توقيع الصين وأمريكا على معاهدة منع السلاح البيولوجي، إلا أن علاقة الشك ظلت قائمة، وشكت الحكومات الأمريكية السابقة باحتفاظ الصين بترسانة بيولوجية هجومية قبل توقيع بكين على المعاهدة، وبحسب مسؤول سابق من وزارة الدفاع فقد طورت الصين واختبرت في التسعينيات من القرن الماضي عددا من البرامج المكروبيولوجية المعدية والسامة وطرقا لتحميلها أثناء إطلاق الصواريخ الباليستية”.

ويستدرك الباحث بأنه “رغم عدم وجود أدلة تدعم هذه المزاعم، إلا أن هناك ما يشير إلى أن الصين احتفظت وطورت برامج بيولوجية، وفي المقابل شك الشعب الصيني باحتفاظ الولايات المتحدة بأسلحة بيولوجية، وبعد انتشار سارز تخيل الباحثون الصينيون سيناريو تقوم فيه الولايات المتحدة برش بكين بفيروسات تشبه سارز”.

وينقل هوانغ عن باحث طبي عسكري صيني بارز، قوله إن الولايات المتحدة التي طورت عوامل مضادة لغاز الأنثراكس قامت بتحويل فيروس سارز إلى سلاح، مشيرا إلى أن إدارة جورج دبليو بوش رفضت في عام 2001 مقترحا لتعديل معاهدة الحد من الأسلحة البيولوجية لأنها لا تفي بغرضها، وقاد هذا الرفض عددا من الصينين للشك بأن أمريكا جددت من جهودها في هذا المجال.

ويذكر الكاتب أن باحثين عسكريين صينيين نشروا في عام 2007 ورقة بحثية، اتهموا فيها الولايات المتحدة باستخدام تكنولوجيا جديدة لتطوير عوامل بيولوجية.

ويعتقد هوانغ أن “عدم الثقة وسوء الفهم يدفعان الدول لاتخاذ قرارات وأفعال تسهم في زيادة عدم الأمن، ففي أثناء الحرب العالمية الثانية طورت بريطانيا وكندا والولايات المتحدة أسلحة بيولوجية بناء على اعتقاد أن هتلر أنتجها مع أنه لم يفعل ذلك”.

ويقول الباحث إنه “سواء كانت الأمراض طبيعية أم انتشرت بطريقة مقصودة، فإنه من الصعب التأكد من هذا الأمر، خاصة أن الكثير من العوامل البيولوجية متوفرة بشكل طبيعي، ويمكن إنتاجها لأغراض مزدوجة، بشكل يجعلها قابلة للتحول إلى سلاح، وفي سياق العلاقات الثنائية الباردة فإنه يتم النظر إلى الأمراض المعدية وكأنها هجمات بيولوجية”.

وينوه هوانغ إلى أن المؤرخ ألفرد كروسبي شك بأن الحمى الإسبانية عام 1918 هي نتاج عوامل بيولوجية ألمانية، وفي عام 2004 اتهمت الحكومة الهندية “باكستان الفاسقة” بإدارة “جهاد إرهابي”، من خلال نشر أتش أي في في كشمير، وعندما انتشرت إنفلونزا الطيور في عام 2008، اتهمت وزيرة الصحة الأندونيسية في حينه سيتي سوباري الولايات المتحدة باستخدام عينات من فيروسات لتطوير الأسلحة البيولوجية، وعلقت عملية وحدة البحث التابعة للمارينز في جاكرتا.

ويبين الكاتب أنه “في ظل تدهور العلاقات الأمريكية الصينية فإن انتشار مرض كورونا أضعف الجهود الدولية لاحتوائه، ورفضت الصين ولعدة أسابيع عروض المساعدة التي قدمها مركز السيطرة على الأمراض ومنعها في الولايات المتحدة، وبحسب مقال نشر على مدونة مرتبطة بصحيفة (جيفانغ ديلي)، فإن البعض شك بأن خبراء المركز الأمريكي ربما جاءوا للقيام بمهمة للتجسس على قدرات الصين البحثية، وقد نجح باحثان أمريكيان بالانضمام إلى وفد منظمة الصحة العالمية الذي زار الصين في شباط/ فبراير، لكن الزيارة الميدانية لم تشمل ووهان، مركز انتشار المرض”.

ويرى الباحث أن “زعم انتشار فيروس كورونا باعتباره سلاحا بيولوجيا ليس ضارا فقط، لكنه دون أساس علمي، ولاحظ الباحثون أن التشكل في الفيروس عملية تتفق مع التطور الطبيعي، وبحسب مجلة (ذا لانسيت)، فإن باحثين من عدة دول أكدوا أن فيروس كورونا المستجد ظهر في الأماكن البرية”.

ويقول هوانغ أنه “لأن فيروس كورونا أصله حيواني قفز للإنسان، فقد توصل العلماء إلى أنه حيواني المنشأ، ويعتقد العلماء أن الخفافيش هي مكان حضانة الفيروس، مع أن البعض شك في كون الثعابين هي مكان تخلقه، ولأن هذه الحيوانات البرية تعد مأكولا مطلوبا لدى الصينيين فليس من المستبعد انتقال الفيروس منها للبشر”.

ويجد الكاتب أنه “من هنا فإن العلماء يرون أن انتشار الفيروس هو مثال عن انتقاله من الحيوان للإنسان، ورغم وجود الفيروس لدى الأشخاص الذين عملوا في الأسواق الرطبة التي تعيش فيها هذه الحيوانات، إلا أن معظم الحالات اكتشفت لدى أشخاص لم يزورا الأسواق أبدا، ما يشير إلى انتقاله في أماكن أخرى أو قبل فترة طويلة”.

ويشير هوانغ إلى أن “العلماء يستبعد انتقال الفيروس من مختبرات، حيث فشل الباحثون في اتباع تعاليم منع تلويثه الحياة العامة، وتظل الأدلة بشأن هذه النظرية عرضية، ويشير الداعمون للنظرية إلى أن عملية انتشار الفيروس بدأت في معهد ووهان للفيروسات، الذي يتمتع بدرجة كبيرة من الأمان، وأشاروا إلى الباحثة في المعهد الدكتورة شي جينغلي، الملقبة بالمرأة الخفاش، التي كانت تقوم بنشاط بملاحقة فيروس كورونا، وإثبات أن الخفافيش هي المكان الطبيعي لتخلق الفيروس، ونفت الدكتورة أن يكون المعهد أصل انتشار الفيروس، وقالت: (تقوم الطبيعة بعقاب العرق البشري على العادات غير الحضارية)”.

ويستدرك الباحث بأنه “رغم اتهام باحثة أخرى بأنها باعت حيوانات في مركز بحثي للسيطرة على الأمراض، إلا أن أحدا لم يؤكد هذه الاتهامات أو نفاها، لكن تظل سلامة المختبرات في الصين قضية رئيسية، خاصة أن مركز السيطرة على الأمراض ومنعها كان مصدرا لتسرب أربع حالات يشك بإصابتها بسارز، بما فيها حالة وفاة في بكين عام 2004، وفي كانون الثاني/ يناير 2020 سجن باحث صيني لمدة 12 عاما لبيعه حيوانات تجارب إلى الأسواق المحلية، ولا شك أن أفعال الحكومة الصينية منحت مصداقية لهذه النظريات”.

ويختم هوانغ مقاله بالقول إن “الفيروس انتشر اليوم عالميا، تاركا آثارا سياسية واقتصادية حيثما حل، ومن هنا فإن تحديد منشأ الفيروس سيساعد الخبراء والحكومات على تحديد الإجراءات المضادة والحد من انتشار موجات وباء في المستقبل ومنعه، وعليه لا يوجد ما يدعم فكرة أن الفيروس هو جزء من سلاح بيولوجي، أو أنه تسرب من مختبر أبحاث، لكن نظريات المؤامرة سممت العلاقات الأمريكية الصينية وأعمت النظر عن منشئه الحقيقي وهو الحيوانات البرية”.


المصدر

بالعربية

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى