سرديات

الســرد .. أصولُــه وفضـاءاتُـــه

 

السؤال الأول الذي يتبادر إلى ذهن القارئ عند قراءة عنوان كتاب يان مانفريد «علم السرد: مدخل إلى نظرية السرد» هو: هل استطاع السرد الروائي أن يبلور نظرية علمية خاصة به؟ وإذا ما كان قد توصل إلى تحقيق ذلك، فما هي ملامح وأسس هذه النظرية؟

الناشر في تقديمه للكتاب يشير إلى أن «علم السرد أو السردية هو مصطلح دخل حقل التداول النقدي بتأثير من البنيوية، بهدف تقديم وصف منهجي للخصائص التفاضلية للنصوص السردية، ثم يعود ببدايات ظهور هذا العلم إلى الشكلانيين الروس. أما المؤلف فيحدد أولا الإطار السردي للنظرية بدءاً بالخلفية التي استندت إليها ووصولا إلى الأسس التي قامت عليها تلك النظرية، الأمر الذي يجعله يركز على جملة من المفاهيم التي تقوم عليها هذه النظرية مثل: مفهوم الصوت وعالم الحكي الداخلي والخارجي ووجهة النظر وعلاقة المؤلف بالسرد ومدى حضوره فيه، ثم ينتقل إلى تناول الموضوعات الأدبية.

لكنه قبل كل هذا يركز على تعريف السرد وتحديد الأسس والمقومات التي ينهض عليها حتى يسمى سردا، إلى جانب بيان كيف يحضر المؤلف في نصه من خلال عدد من العناصر التي تبرز ما يسميه صوت السارد، إذ إن كل عمل روائي – كما يقول – لابد أن يبرز صوت السارد الذي يكون في بعض الروايات جليا بصورة كبيرة، لكنه يتعامل معه باعتباره خطابا سرديا.

أهمية الكتاب لا تكمن في حجم المفاهيم والتعريفات الخاصة بنظرية السرد، بل فيما يعتمده المؤلف من منهج يزاوج فيه بين الجانب النظري والجانب التطبيقي، في محاولة لمساعدة طلاب النقد والمهتمين به على معرفة آليات عمل هذه المفاهيم والتقنيات داخل النصوص السردية التي يستعين بها، من أجل إظهار كيفية تماثل عناصر السرد وتكامل وظيفتها داخل بنية العمل السردي.

  • مفاهيم وتعريفات

في مقدمة المفاهيم والتعريفات التي يقدمها، والخاصة بنظرية السرد، تأتي العناصر السردية التي تبرز صوت السارد وهي: محتوى النص السردي، والتعبيرات الشخصية التي تشير إلى ثقافة السارد ومعتقداته وقناعاته وتوجهاته السياسية والفكرية وموقفه من الناس والأشياء، وكذلك الإيماءات أو التعبيرات التي تشير إلى وعي السارد بالمتلقي. بينما يميز بين نوعين من السرد: سرد يكون فيه النص متجانسا عندما يروى السرد بضمير المتكلم الشاهد على أحداث القصة، والسرد غير المتجانس الذي يتحدث فيه السارد عن شخص ثالث.

في الجزء الثاني من الكتاب يتناول المؤلف مفهوم الإطار السردي، معيدا بدايات ظهور مفهوم علم السرد بوصفه علما له قواعد وأصول إلى نهاية ستينيات القرن الماضي على يد تودروف، ثم يقدم تعريفا له بوصفه نظرية البنائيات السردية المستوحاة من البنيوية، والتي تتجلى وظيفتها في تحليل ظاهرة السرد إلى الأجزاء التي يتكون منها، وصولا إلى تحديد الوظائف التي تناط بها، والعلاقات القائمة فيما بينها.

ويؤكد مانفريد أن أجناس السرد بناء على ما يقوله رولان بارت غير محدودة، لكنه يتحدث عن مجموعة منها هي: سرد التجربة الشخصية أو ما يسمى برواية السيرة الذاتية، ورواية السيرة الذاتية التاريخية، والسرد السينمائي والسرد الداخلي.
الفضاء الزماني والمكاني.

يذهب مانفريد إلى أن الربط في العلاقة بين الزمان والمكان في السرد الروائي يجعل وجود أحدهما استدعاء لوجود الآخر حكما. لكنه يميز بين المكان في الرواية عن المكان في الفنون البصرية؛ نظرا لأن المكان في التخيل السردي لا يمكن عرضه كاملا على خلاف ما يحدث في السينما مثلا. وفي ضوء ذلك يعرف الفضاء الأدبي أو التخيلي بأنه البيئة التي تتموضع فيها الأشياء والشخصيات وبصورة أكثر تحديدا هي البيئة التي تتحرك وتعيش فيها الشخصيات. وفي تحديد المكان داخل الفضاء الأدبي يظهر دور المعينات المكانية الخاصة بإدراك المكان، بما فيه أشكال المكان المتعارضة كالأماكن المؤقتة والأماكن الدائمة والأماكن الخاصة مقابل الأماكن العامة. ويرى أن أهمية هذه الدلالات المكانية تتأتى من خلال تأثيرها في شخصيات وأحداث العمل الروائي.

وفي دراسته للشخصية الروائية يحدد القواعد والأسس التي يتم بها خلق تلك الشخصية ثم يحاول الإجابة عن مجموعة من الأسئلة تتعلق بمن هو الفاعل؟ ومن هو المفعول به؟ وما هي الخصائص والسمات التي يمليها كل منهما؟. في هذا السياق يركز الباحث على ثلاثة معايير أساسية في تحليل الشخصية لبيان الفاعل التشخيصي هل هو السارد أم الشخصية؟ وهل تتجلى سمات هذه الشخصية من خلال الكلمات أو الأفعال التي يقوم بها؟ وهل شخصية السارد هي من تقوم بالحديث عن نفسها أم أن شخصا آخر يقوم بذلك؟. وكما هي العادة يقوم بانتخاب أمثلة روائية تطبيقية للتدليل على الاستراتيجيات التي يقوم عليها عمل هذه المفاهيم في النص الروائي.

ويخصص الباحث القسم الأخير من الكتاب لدراسة الخطاب السردي بدءا من أنواع من هذا الخطاب بما فيه الخطاب المباشر والخطاب غير المباشر، وتفرعات كل منهما، وخصائصه، دون أن يغفل الحديث عن تيار الوعي في الرواية الذي يتميز بالشخصية المفككة من حيث ترابطها العقلي، وانفصال مستويات الوعي عندها، وأهم التقنيات التي يقوم عليها سرد تيار الوعي، وفي المقدمة من ذلك المونولوج الداخلي الذي يقوم على تدفق غير منقطع من الأفكار التي تعيشها الشخصية دون ترابط منطقي فيما بينها. كذلك السرد النفسي الذي يتم فيه عرض حالات وعمليات وعي الشخصية ولا وعيها ومناجاة النفس والإدراك الحسي للشخصية.


عنوان الكتاب: علم السرد: مدخل إلى نظرية السرد
المؤلف: يان مانفريد
المترجم: أماني أبو رحمة
الناشر: نينوى


مفيــد نـجــم /  ناقد من سوريا مقيم في أبوظبي

 

بالعربية

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى