سلسلة: تاريخ النُّـبُـوَّة تَـوْراتِيـًّا

تـاريـخ النُّبـوة تَـوْراتـيـاً – 2 –

 

كنا قد وقفنا فى المقال السابق على ماهية كلٍّ من النبوة والتوراة والتاريخ، والآن نضع لبنةً جديدة فى بناء هذه السلسة، بالحديث بشيء من التفصيل عن تاريخ الجماعات اليهودية، وتناول فكرة ما يُعرف فى الأدبيات اليهودية والصهيونية منها خاصًا “بالتاريخ اليهودي“.

لكن قبل أن نسترسل فى الحديث عن تاريخ تلك الجماعات؛ أرى أنه يجدر بنا أن نتناول الأسماء التي أتخذتها عبر التاريخ.

أختلفت أسماء هذه الجماعات عبر تاريخها، فهم لم يعرفوا باسم اليهود _وهي التسمية التي أشتُهروا بها _إلا فى مرحلة تاريخية متقدمة، فما هي الأسماء التي أُطلقت عليهم قبل هذه التسمية؟

  • أولاً : العبرانيون أو العبريون:

وهي أقدم المسميات التي أستُعملت للإشارة إلى تلك الجماعات، وكلمة “عبري” وجمعها “عبريون” أو عبراني وجمعها ” عبرانيون” وردت منسوبة إلى نبي الله إبراهيم عليه السلام، حيث تطلق عليه التوراة أسم ” إبرام العبراني” ومعناها “المتنقل ” أو “المرتحل” أو ” العابر”، ويذهب بعض الباحثين إلى أن أصلها يرجع إلى الجد السادس للنبي إبراهيم ” عابر” كما ورد فى سفر التكوين.

بينما يذهب البعض الآخر من الباحثين إلى أن أصل التسمية يرجع إلى” العبور ” فى الإشارة إلى عبور نهر الفرات من قبل النبي يعقوب هرباً من أصهاره.

وهذه الكلمة كانت تعني الغريب الذي لا حقوق له، والدليل أنهم كانوا فى مصر غرباء لا حقوق لهم.
كما أن هذه الكلمة _عبري_ تستخدم للدلالة على اللغة التي كانوا يتكلمونها وهي اللغة العبرية القديمة.

  • ثانياً : بني إسرائيل:

هي التسمية الثانية التي أُطلقت عليهم، و أصلها “يسرائيل”، وهي كلمة عبرية قديمة لا تخلوا من غموض، فهي تتألف من قسمين “يسرا” بمعنى المُصارع أو المحارب، و”إيل” بمعنى الإله، أي الذي يصارع الإله، أو “جندي الإله إيل”، وهي تختلف كُليًِا عن كلمة إسرائيلي، التي تشير اليوم إلى مواطنو ما يُعرف “بدولة إسرائيل”.

ويمكن اعتبار القرن الثامن عشر قبل الميلاد؛ عصر استخدام كلمة إسرائيلي للإشارة إلى تلك الجماعات كبديل عن التسمية القديمة عبري.

  • ثالثاً : اليهود:

وهي ثالث التسميات وأشهرِها، وتتألف كلمة يهودي من قسمين، “يهو” وتعني الرب و “دي” وتعني الإقرار والجزاء والإعتراف، وعلى هذا؛ تعني الكلمة “شكر الإله” أو “الاعتراف بنعمته”.

وقد اشتقت “ليئة” زوجة يعقوب من هذه التسمية، اسم وليدها الرابع فأطلقت عليه أسم “يهوذا”.
وللتسمية باليهودي دلالة عامة وأخرى خاصة،

الدلالة العامة؛ تشير إلى كل معتنق لليهودية ممارسًا لشعائرها وطقوسها، والدلالة تُشير أيضًا إلى الانتماء لكيان سياسي جغرافي صغير ومحدود هو مملكة يهوذا الجنوبية، بعد وفاة سليمان وانقسام ملكه إلى مملكة شمالية (إسرائيل) وأخرى جنوبية (يهوذا).

عرضنا بإيجاز أهم وأشهر المسميات التي أُطلقت على هذه الجماعات، والآن؛ نعرض للمراحل التاريخية التي مرت بها، فى هذا العرض أعتمد ما ورد فى التوراة بشكل أساسى، ليس إيمانًا مني بصحة هذا العرض التوراتي، بل اعلى العكس؛ فهو يتناقض مع ما ورد فى المصادر التاريخية، بل لأنه يعد تاريخًا أخلاقيًا، الهدف منه استخلاص العبر، كما أنني أتناول تاريخ النبوة، كما تسرده التوراة، فحبذت الالتزام بما ورد فها _التوراة _  عن تاريخ تلك الجماعات.

وعلى هذا، ينقسم تاريخ اليهود إلى قسمين أساسيين؛ تاريخ العبرانيين وتواريخ الجماعات اليهودية.

  • أولاً : تاريخ العبرانيين:

بدأ بهجرات مختلفة من وإلى بلاد الرافدين، كهجرة إبراهيم إلى فلسطين عام 1996 قبل الميلاد، وهجرة يعقوب بعد ذلك، ثم هجرة يوسف إلى مصر عام 1720 قبل الميلاد، وكان خروج موسى من مصر حوالي العام 1275 قبل الميلاد. ثم حدث “التسلل العبراني” إلى كنعان ” فلسطين” بين أعوام 1250 إلى 1200 قبل الميلاد، وتلى ذلك فترة ما يعرف بعصر القضاة في فلسطين.

  • ثانيًا : تواريخ الجماعات اليهودية:

وهو الذي يبدأ بعهد الملوك شاؤول ثم داود ثم سليمان بن داود
ثم إاقسام مملكة سليمان إلى قسمين؛ مملكة شمالية باسم “إسرائيل” وعاصمتها الأولى “شكيم”، وتقع جنوب نابلس حاليًا، ومملكة جنوبية باسم “يهوذا ” وعاصمتها” أورشليم” القدس الحالية. وكانت بين المملكتين حروب طويلة، ثم صُلحٌ ثم تحالف ثم حروب، إلى أن تم القضاء على مملكة “إسرائيل” الشمالية، بعد سيطرة مملكة آشور عليها، وسبي سكانها وملوكها إلى جانب سكان وملوك عدد من الممالك لا تقل عنها ضعفًا ووهنًا.

وكانت نهاية المملكة الجنوبية مماثلة لشقيقتها الشمالية، فبعد سيطرة ملك بابل عليها وتخريب الهيكل واختفاء تابوت العهد إلى الأبد، تم سبي أغلب سكانها وملوكها إلى بابل فيما يعرف بالتهجير البابلي “السبي البابلي”.
تلى هذه المرحلة مرحلة العودة وبناء الهيكل الثاني على يد الملك الفارسي “كورش”، ثم السيطرة اليونانية والعصر الهيلليني، ثم سيطرة الرومان وشتات اليهود فى ربوع الأرض، عقب تدمير الهيكل الثاني على يد “تيتوس” فى العام 70 للميلاد.

فى أعقاب هذا العرض المبسط، نطرح السؤال الآتي، هل هناك ما يعرف بالتاريخ اليهودي حقاً ؟!
هذا السؤال يحتم علينا _نظراً لأهميته _أن نُفرد له مقالاً مستقلاً.

يتبع…

 

وائل سالم

وائل جمال سالم: شاعر و باحث وكاتب مصري، حاصل على الإجازة في الحقوق من جامعة القاهرة، متخصص في النقد الأدبي. مُهتم بالتاريخ والفلسفة وفلسفة ما بعد الحداثة، خاصة الفلسفات الهامشية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى