لسانيات

جهات الاعتقاد في العربيّة -2-

 

أ‌- الرفع والنصب: توجيه الاعتقاد للإعراب

– دلالتا الواجب وغير الواجب

اهتم المبرد شأنه شأن سيبويه في الكتاب بالإعراب، وميّزه عن البناء، ودقق النظر في العلامات الإعرابية في بداية المقتضب.وهي علامات كاشفة للمعنى الوظيفي وقد ربطها صاحب المقتضب بنظرية الإعراب والعمل بصورة تظهر أنّها سمات تمييزية للمعاني النحوية الإعرابية. حيث يولّد غيابها صعوبة في تحديد المعنى، فلا نفرق بين الاستفهام والتعجب والنفي في استعمالات”ما”مثلا، ولا نميز بين ما يفيد الخبر وما يفيد الاستفهام في”كم” .

يكشف اهتمام المبرد بالعلامة الإعرابية ربط النحاة بين اعتقاد المتكلم والإعراب.فإذا كان الإعراب هو الذي يكشف الاعتقاد في البنية النحوية المنجزة، فإنّ ذلك يصيّر الرفع علامة ما استقر و ثبت وجوده في ذهن المتكلم بصرف النظر عن وقوعه أو عدم وقوعه في الكون الخارجي.

فهو علامة الواجب”لأنّ الأصل الرفع وهو الذي لا يتم الكلام إلا به كالابتداء والخبر والفعل والفاعل” .فالرفع مقولة الابتداء اذا كان في الاسم المبتدئ به أو المبني عليه الكلام أو الفعل الذي يقع موضع الاسم”لأنّ الابتداء موضع لا يخلص للاسم دون الفعل” ، وهو الفعل المضارع الذي لم تدخل عليه العوامل الناصبة أو الجازمة التي تكون عبارة عن حروف تغيّر المعنى”لأن الحروف اذا دخلت حدثت معها معان تزيل الأفعال عن مواضعها” .

ونلاحظ أنّ المبرّد قد ربط مفهوم الموضع بقانون الإعراب والعمل، وهو ما لا يجعل الموضع مجرّد محلّ من المحلاّت الوظيفية، وإنّما هو معنى يوطد صلة البنية النحوية بالدلالة النحوية المنجزة.فيكون ما يدلّ على الواجب هو الفعل المضارع المرفوع لأنّه يقع موضع الاسم في المعنى، فهو علامة ما ثبت واستقر وعند دخول العوامل الناصبة أو الجازمة تصرف دلالته عن الواجب الى الممكن.

يقارن صاحب المقتضب من خلال أمثلة تحليلية بين الرفع والنصب والجزم فرع عليه في الأسماء للاستدلال على أنّ تغيير علامة الإعراب يوجب الانتقال من الواجب الى غير الواجب، وذلك أثناء حديثه عن المصادر التي يحتكم فيها الى القاعدة التالية”فإذا الموضع بعدها أمر أو دعاء لم يكن إلا نصبا وإنْ كان لما استقر لم يكن إلا رفعا فقولك :
– ويلا لزيد ” فأما النصب فعلى الدعاء “
– ويل له ” لأنه شيء مستقر ف(ويل ) مبتدأ و(له) خبر” .

يخضع الرفع والنصب لاعتقاد المتكلم الموجه للإعراب الذي يصدر عن اعتقاد تجاه ملفوظه.فإذا رفع، فذلك دلالة ما استقر وقوعه في ذهنه.وإذا نصب، فذلك دلالة على عدم استقرار الوقوع في الذهن والتصوّر.
يورد المبرد مثالا وهو الآية الكريمة للبرهنة على كون العلامة الإعرابية محدّدة لاعتقاد المتكلم في البنية”فإنّه لا يكون فيه إلا الرفع إذا كان لا يقال:دعاء عليهم لكنّه إخبار بأنّ هذا قد ثبت لهم فإذا أضفت فقلت ويل وويحه لم يكن إلا نصب لأنّ وجه الرفع قد بطل بأنه لا خبر فيه” .فالرفع عند المبرّد علامة ما استقر وثبت والنصب علامة ما لم يثبت ويستقر.

يصيّر ربط إنشاء البنية النحوية بالمتكلّم العلامة الإعرابية إنجازا لفظيّا لما هجس من اعتقاد في فكره.فيكون”الفرق بين النصب والرفع أنّك إذا رفعت كأنك ابتدأت شيئا قد ثبت عندك واستقر وإذا نصبت كأنّك تعمل في حال حديثك في إثباته” .

إذا كان ذلك، كان الرفع علامة على الوجوب، وهو الخبر في تصوّر المبرّد”فإذا أخبرت أنه مما قد ثبت رفعت”، وهو علامة ما ثبت واستقر في ذهن المتكلم، ويكون النصب علامة ما لم يثبت ويستقر. ونلاحظ أنّ المبرد قد جعل الرفع هو الأصل والنصب فرع عليه، وهو الذي لا يتم الكلام إلا به، وذلك “لأنّ الأصل الرفع وهو الذي لا يتم الكلام إلا به كالابتداء والخبر والفعل والفاعل […] وإنّما المنصوب والمخفوض لما خرج إليه عن هذا الموضوع.

أفلا يكون ذلك إقرار بأنّ الواجب هو الأصل وغير الواجب فرع عليه، وهو ما يقتضي أنّ الخبر أًصل الكلام وأنّ المعاني النحويّة الأخرى فروع عليه؟

تحد من شمول العلامة الإعرابية باعتبارها سمة تمييزية دلالية محدّدة للمعاني الوظيفية وبالتالي قيامها قانونا كليّا بعض إشارات المبرّد إلى كون الرفع يمكن أن يدلّ على غير الواجب إذ أنّ”حسبك رفع بالابتداء ومعناه النهي” .وهذا ما يؤكد سمة الاسترسال بين الواجب وغير الواجب باعتبارهما معبرين عن جهات اعتقاد المتكلم في النظرية النحويّة العربيّة.

ب‌- الجهة مقولة نحويّة إعرابيّة والاعتقاد معنى نحويّ:

توصلنا إلى كون العلامة الإعرابية هي الأثر الباقي لتوجيه الاعتقاد للإعراب في البنية النحوية المنجزة. وهي نتيجة تنسجم مع تصورات نحاتنا التي تقوم على عاملية المتكلم في المحتوى الإحالي المرجعيّ.فالمتكلم هو العامل الإعرابيّ الموجد للعمل النحويّ بتكوينه للبنية النحوية [عا × مع] من الداخل وتوجيهها وتأويلها بما يعيّن العمل النحويّ الذي لا يعدو أن يكون جهات اعتقاده.

هذا ما يجعل الجهة جهات اعتقاد، ويصيرها مقولة إعرابية تبرز أهميتها في تعلّقها باعتقاد المتكلّم.واعتبار الجهة مقولة إعرابيّة يترتب عنه كون الاعتقاد معنى نحويّا إعرابيّا مسجّل في البنية.ينتج هذا المعنى عن تعامل مستويات الصرف والنحو والمعجم مما يجعل كل وسم للبنية النحوية المجرّدة إنجازا للدلالة الاعتقادية التي يروم المتكلم إبرازها من خلال القول.

إنّ اعتبار الاعتقاد معنى نحويّ والجهة مقولة نحوية إعرابية لا يستدعي سوى الوعي بالنظام النحويّ الذي قاد تصور نحاتنا لبعض القضايا الإعرابية التركيبية الدلالية.وهو نظام يقوم على تناول الجهة تناولا إعرابيّا يجعل منها مقولة بنيوية لا وجود لها خارج التشكّل النحويّ للبنية.

برزت أهمية الجهة في تصورات نحاتنا في ارتباطها بالمتكلم باعتباره منشئا للأبنية تسيّره في ذلك اعتقاداته التي تعني تمثله الإدراكي التصوّري للكون الخارجيّ.لذلك كانت مقاربتهم للجهة مقاربة إعرابية ترسّخ جملة الفرضيات التي انطلقنا منها، وأهمها أنّ الاعتقاد صلة البنية النحوية بالكون الخارجي، وكون الجهة تعبير المتكلّم عن موقفه من كلامه في علاقته بحالة الأشياء في الكون الخارجي.

خالف تصور النحاة الطرح المنطقي واللساني اللذين بحثا جهات الاعتقاد منطلقين مما هو معجميّ، تمثل في إسقاط الأفعال المساعدة الجهية في بداية كل قول مما أدى الى فصل الدلالة الجهية عن البنية النحوية.وتكمن وجوه المخالفة في اعتبار النحاة الدلالة الجهية دلالة بنيوية، فربطوها بالمتكلم الذي ينشئ الأبنية النحوية ليعبّر بها عن اعتقاده.

وهو ما يعني تسييره للإعراب في البنية النحوية، بكيفية تكون العلامات العرابية أثره الباقي، والكاشف عن الاعتقاد.فيكون الرفع معنى، ويكون النصب معنى، ويكوّنان حالات جهية دالة على الوجوب والإمكان.

والحاصل أنّ الجهة ترسخت في النحو العربي مفهوما لا مصطلحا في دراسة مسائل الإعراب، وما تعلق بها من قوانين عاملية المتكلم.استنتجنا من تحليلها عند النحاة أنّها مقولة إعرلبية، فاعتبرنا بناء على ذلك الاعتقاد معنى نحويّا مسجلا في الأساس النحوي المجرد يتصرف لدى تصرف البنية واتجاهها نحو الوسم اللفظي:
– جهات اعتقاد وجوب، وهو ما يولد الخبر،- جهات عدم الاعتقاد، وهو ما يولد غير الواجب أي الممكن وتختص به المعاني النحوية المقابلة للخبر.

3- الواجب وغير الواجب عند المبرد:تحديد لجهات الاعتقاد :

لم يعرف المبرّد الواجب وغير الواجب تعريفا لغويّا، وإنّما ترد إشاراته مقتضبة إلى ما يمكن بناء عليه تحديد المفهومين.ويبرز ذلك من خلاله:
– تصنيف المعاني النحويّة إلى معان واجبة ومعان غير واجبة.
– أو من خلال ربط مقولة الجهة ب “المظهر الزماني”وذلك من خلال تصنيف الفعل وفق مقولتيْ الوقوع وعدم الوقوع في الزمان “و”فعل” لما مضى منه و”يفعل ” لما أنت فيه ولم يقع ” .
– أو من خلال مقابلة صاحب المقتضب بين”شيء قد ثبت واستقر ” ، وهو الواجب و”شيء لم يستقر” ، وهو غير الواجب.ونفهم ضمنيّا أنّ مفهومي الاستقرار وعدمه قد ربطهما المبرد بالدهن والتصور بغض النظر عن الوقوع أو عدم الوقوع في الكون الخارجي.

تقودنا هذه الإشارات المقتضبة إلى الخلفية النظرية التي حكمت تصوّر المبرد للمفهومين، وهي خلفية تنهل من مجالات المنطق والفلسفة والفقه دون أن ننسى المنطلقات الإعرابية التركيبية التي رسخ دعائمها صاحب الكتاب.

ونجد في بعض المعاجم العربية تحديدا للواجب وغير الواجب”الوجوب في اللغة الثبوت ” ولا نعرف هل هو الثبوت الذهنيّ التصوّريّ أم الثبوت الواقعيّ الماديّ؟

ونقرأ في لسان العرب في مادة” وجب””وجب الرجل وجوبا مات[…]أصل الوجوب السقوط والوقوع” .فالواجب هو الساقط والواقع الماديّ الذي يسبق حسب آليات التحليل النفسي بثبوت ووقوع الأمر في التصوّر والذهن”إذْ أنّ عملية التصوّر التي تحدث في العقل ضروريّة قبل صدور الكلام” .

إذا كان ذلك، كان الواجب هو الواقع والساقط والثابت سوى كان ذلك في التصوّر والكون الخارجي أو كان في التصوّر فقط.ويقابله غير الواجب، أي الممكن”إذا قيل ما الممكن؟قال ما لا يجب وجوده أو ما لا يمتنع وجوده” ، وهو الممكن الوجود، وما لا يجب وجوده.فكل ممكن واجب، وليس كل واجب ممكنا.فالممكن ما يمكن تصوّره دون أن يكون لذلك تعلّق بحالة الأشياء في الكون الخارجي.

تقودنا مواضع تواتر المصطلحين في المقتضب إلى ملاحظة كون مصطلحيْ الواجب وغير الواجب اللذين تمكّنا في الكتاب عند سيبويه قد أصابهما شيء من التعديل والتفصيل.فقد استعمل المبرّد مصطلحي “الموجب” والإيجاب مقابلين لمصطلح غير الواجب، بل إنّه دقق الأمر بالمقابلة بين ما استقر وثبت وبين ما لم يستقر ويثبت.

ولعل في استعمال المبرد لمصطلح الموجب تأثرا بما ساد في عصره من مقولات منطقية تقسم القضايا إلى موجبة وسالبة. وربما يعود التعديل الذي أجراه المبرّد على مصطلحي الواجب وغير الواجب عند سيبويه إلى تجاوز الحدوس الأوليّة، والانتباه إلى كونهما خارجين عن مجال النحو.وهذا ما يفسّر في نظرنا استبدال المبرد لمصطلح الواجب بمصطلح الخبر في مرحلة أولى ثم تعريفه في مرحلة ثانية بأنّه”ما جاز على قائله التصديق والتكذيب” ومقابلته في مرحلة ثالثة برهط من المعاني الممكنة.

ولعل حدّ صاحب المقتضب الخبر من جهة التصديق والتكذيب وربطه بالمتكلّم يعتبر أول حدّ له في النظرية النحوية العربيّة حسب اطلاعنا.

جعل المبرد الواجب، وهو الخبر، وغير الواجب، وهو الممكن يختصان بالمعاني النحوية.ودرس كل صنف دراسة تركيبيّة ودلاليّة مدعّما فرضيتنا في كون تناول النحاة لجهات اعتقاد المتكلم كان تناولا إعرابيّا.فجهات الاعتقاد باعتبارها مقولة إعرابيّة حكمت تصوّر المبرّد لكيفيات تولد المعاني النحوية الواجبة، وهي الخبر والمعاني غير الواجبة، وهي المعاني الممكنة..

  • خاتمة

عرضنا في الباب الأول إلى تحديد الجهة مفهوما ومصطلحا في الدرس اللساني حديثا.وعملنا على إثارة مختلف قضاياها في الدرس المنطقي والفلسفي والنحويّ قديما.ودرسنا تصور نحاتنا لهذه المقولة، وتوصلنا إلى أنّهم ربطوها بنظرية الإعراب والعمل.فاختلفوا في نظرنا عن التناول اللساني الحديث، وهو تناول فصل بين البنية النحوية ودلالتها، إذ عزل الجهة عن البنية النحوية مستندا في ذلك الى مقياسين:أولهما المعجم، فكان الطرح اللساني طرحا معجميا قام على إسقاط الأفعال المساعدة الجهية في بداية كل قول، وثانيهما مقياس المقام، فكان طرحهم تداوليّا يحدّد جهات اعتقاد المتكلّم بمقتضيات التواصل.في مقابل ذلك وطّد التناول النحويّ الصلة بين الدلالات الجهية والبنية النحوية.فلا وجود للدلالات الجهية خارج البنية النحوية ومستويات تولّدها.

 

“الإعراب عن جهات الاعتقاد في المقتضب”

مقدمة:

نتقصى في هذا الباب تصور المبرّد لجهات اعتقاد المتكلم.وهو تصور نتج عن دراسته للأبنية النحوية وكيفيات تولّد المعاني النحوية إلى معان واجبة، وهي الخبر ومراتبه، ومعان غير واجبة.تمّ ذلك بالاحتكام إلى جهاز نظريّ إجرائيّ يردّ كل المعاني النحويّة الجهية إلى بنية نحوية مجرّدة متكوّنة من مسند و مسند اليه، مثلنا لها ب[ عا × مع ] .

وهي بنية نحوية تختزل مختلف ضروب الإعراب عن الجهة في المقتضب باعتبارها صادرة عن اعتقاد المتكلم العامل الإعرابيّ في علاقته بحالة الأشياء في الكون الخارجي وفي علاقته بالمخاطب.

ونمهد لتناول جهات اعتقاد المتكلم في المقتضب بتبيّن ملامح الجهاز النظري الذي حكم التصور النحوي للمبرد.وهو جهاز يتأسس مفهوم القرن التركيبي، فالمعنى النحوي لا يحصل بلفظة واحدة، لأنّ” اللفظة الواحدة من الاسم لا تفيد شيئا واذا قرنتها بما يصلح حدث معنى واستغنى الكلام” .فالقرن هو العلاقة النحويّة الدلاليّة الأولى.

وما عبّر عنه المبرّد بلفظ”القرن”هو الإسناد الذي اتخذ مكانة مركزيّة في التصوّر النظريّ لصاحب الكتاب.وهو تصور يقوم على النظر في كيفيات تولّد المعاني النحوية من الأبنية النحوية الإعرابية.ولم يخالف المبرّد منهج سيبويه في اعتباره كلّ قرن ل[ عا ×مع ]معنى نحويّ يحسن سكوت المخاطب عليه وتجب به الفائدة.

وبذلك يكون الإسناد علاقة مجردة بين عامل ومعمول من إنشاء المتكلم المعرب بواسطة الإعراب عن اعتقاد لا يعدو أن يكون في مستوى الإنجاز معاني نحويّة جهيّة واجبة ومعاني نحوية غير واجبة.

يحدث المتكلم العامل المعنى النحوي الإعرابيّ بتكوينه للرابطة [عا×مع]، وهو معنى يشمل دلاليّا الخبر والمعاني غير الواجبة.وهي معاني جهيّة تكون”علاقات نحوية بين أبنية ينشئها المتكلم” .فالمتكلم الصادر عن اعتقاد هو الموجد للمعنى النحويّ بواسطة إنشاءه للبنية المتكوّنة من عامل ومعمول:
اعتقاد عامل معمول
اعتقاد متكلم 3 [ عا×مع ]
فيكون المعنى النحويّ هو القيمة الدلاليّة الحاصلة من عمل العامل في المعمول، فقول القائل:
1- هل جاء زيد ؟
عامل معمول إحالي
إعرابي متكلم [عا×مع]
فالاستفهام عن مجيء زيد معنى نحويّ يكون حاصل العلاقة بين عامل ومعمول.
أتاح لنا تتبّع مفهوم العمل النحويّ في المقتضب ومختلف استخدماته وتقليباته في مراتب المعنى تصوّرا للبنية النحوية يقوم على مستويين:
– مستوى أول:موضع فعل المتكلّم، وهو موضع يمكن أن شاغرا، ويمكن أن يوسم بالحروف غالبا”نحو كان وإنّ” ، وحروف الاستفهام وحروف النفي، و”أفعال الشكّ والعلم والمجازاة” .فإذا كان شغور موضع فعل المتكلم من الحروف دالاّ على صدوره عن مجرّد الاعتقا، وهو يولّد الخبر، فإنّ وسمه يكون دالّا على معان نحوية تكون صادرة عن عدم اعتقاد.

– مستوى ثان:موضع المضمون القضويّ، فالمتكلم العامل المحدث والمنشئ للأبنية النحوية الإعرابية يعمل في هذا الموضع حسب درجات اعتقاده.
إذا كان ذلك كانت البنية النحوية بنيتيـن:بنية عاملة(الاعتقاد والإنشاء)وهي موضع فعل المتكلم تتكوّن من[عـا*مع ]وبنيـة معمولة، وهي بنيـة الإحالـة 3 [عا×مع].ويكون العمل النحويّ عمليين؛عمل المتكلم الموجد للبنية النحوية أولا، وعمله بقرن عامل ومعمول ثانيا.فقول القائل:
مستوى أول مستوى ثان

2- أ زيد أخوك؟
بنية عاملة بنية معمولة
[ عا×مع] 3[عا×مع]
نواة إسنادية منصوب
العمل النحوي هو الاستفهام عن أخوة زيد.
يحكم المتكلّم المحدث للمعاني النحوية الجهية تصور يتلوّن حسب أغراضه ومقاصده.فيكون إمّا”اعتقاد بدرجات مختلفة لموجود أو منعدم، وهو ما يولّد أساسا الإثبات، وإمّا عدم اعتقاد، وهو ما يتولد عنه اللابثات” .فالاعتقاد وعدم الاعتقاد قيم شحنية سالبة وموجبة مولدة عن اعتقاد مطلق يسيّر للبنية النحوية في أساسها المجرّد جهات تعبّر عن مقاصد المتكلم من كلامه.

إذا صحّ ذلك، وكان كل إنشاء نحويّ للبنية اعتقاد، كانت مقولة الجهة مسجلة في الأساس النحوي المجرد مسيرة للبنية النحوية في متجهها الإنجازيّ المحكوم بقانون الإعراب.وتختزل هذه المقولة ضروب القول المنجزة، وتمثل تشارطا واسترسالا وجوديا بين بنية الكون الاعتقادي وبنية الكون الاحالي.
يتجسّد هذا التشارط في البنية النحوية المسيرة بشحنة الاعتقاد المطلق الذي يتصرف لدى تصرف البنية النحوية والتقاطها للمقولات المعجميّة والصرفيّة والإعرابيّة:
– معاني واجبة، وهي الخبر ومراتبه،
– ومعاني غير واجبة وهي المعاني المقابلة للخبر.
والمعاني الواجبة والمعاني غير الواجبة معاني نحوية جهية يتسع بها الاستعمال، لكنّها ترتدّ إلى بنية إعرابيّة مجرّدة صادرة عن المتكلم المحدث للمعاني.ويمكن التمثيل لتولد المعاني النحوية المعبرة عن الجهة انطلاقا من البنية المجردة كما يلي:

عامل(1) عامل (2) معمول
اعتقاد مطلق(+/-) [عا.مع] 3 [عا . مع]

يتصرّف الاعتقاد المطلق اعتقاد وجوب، وهو ما يولد الخبر وعدم اعتقاد، وهو الإمكان، وهو ما يولد المعاني غير الواجبة.وهي مصطلحات جردناها لاحتواء ضروب الإعراب عن الجهة في المقتضب.

الفصل الثاني:الخبر ما جاز أن يقال لقائله إنه صادق أو إنه كاذب:
لما كانت البنية النحوية اختزالا للعلاقة التصوّريّة الذهنية بين المتكلم والكون الخارجي جسّد الاعتقاد، وهو التعامل التصوريّ، صلة البنية النحوية بالكون الخارجي (المرجع).

وبذلك تسجّل البنية النحوية في أساسها المجرد العلاقة بين المعنى النفسي الذهني المنتقش في ذهن المتكلم( مثاليا كان أو مقاميا) والمعنى المرجعي الإحالي.وتخضع العلاقة إلى حكم المطابقة، فإنْ طابق ما في التصوّر الواقع صدق المتكلّم، وإنْ لم يطابق كذب.

وبذلك يكون الصدق والكذب ثنائية ترتبط بالمرجع أكثر من ارتباطها بالبنية النحوية المجردة.فهما يخضعان لشروط التعامل القولي بين مخاطب ومتكلم.وبهذا التصور يمكن أن نفهم حدّ المبرد للخبر بكونه”ما جاز على قائله التصديق والتكذيب”.

1- مفهوم الخبر عند المبرد وما يثيره من إشكاليات:

يبدو أنّ المبرد هو أوّل من عرف الخبر تعريفا لا يزال متداولا إلى اليوم، وقد ورد التعريف في إطار حديث صاحب المقتضب عن الابتداء بكونه خبرا، وأنّ الخبر”ما جاز على قائله التصديق والتكذيب” وهو تعريف يستوجب التوقف لإبداء الملاحظات التاليّة:
– اتسم الحدّ بالعموم دون شرح أو تفصيل، ولعل هذا يشير إلى أنّ مصطلح الخبر من المصطلحات التي وقع الإجماع حولها في الدرس النحويّ في القرن الثالث للهجرة. وإنْ وجد وجد المفهوم عند سيبويه وقصد به ما استقر وجوده في اعتقاد المتكلم إيجابا أو سلبا، فإنّ المصطلح لم يظهر إلا مع المبرّد.

– يشير التعريف الى تسرّب المقولات المنطقية إلى الدرس النحويّ العربيّ.ونرجع استفادة المبرّد مما ألّفه الفارابي والمناظرات التي دارت بينه وبين الفيلسوف الكندي.فلا يمكن مثلا فهم تصوّر(المبرد) للإخبار بالألف واللام إلا بالانتباه الى هذه الخلفية.

– أقحم تعريف المبرّد الخبر المتكلّم في البنية النحويّة المجردة.فالخبر يتكوّن من مخبر ومخبر به ومخبر عنه.فالصدق والكذب باعتبارهما قيمتين إحاليتين مرجعيتين ارتبطتا بالمتكلم”يكون هو الموصوف بالصدق إنْ كان صادقا وبالكذب إنْ كان كاذبا” أكثر من ارتباطها بالخصائص التركيبية للخبر.وهذا ما يجعل للمتكلم موضعا قارا في البنية النحوية، وهو موضع يمكن انطلاقا منه تحديد جهات اعتقاده في مضمون كلامه في علاقته بحالة الأشياء في الكون الخارجي.

– إنّ تعريف المبرد للخبر تعريف للجنس لا النوع، فالخبر جنس الابتداء، والابتداء نوع من أنواعه.ويتبين من خلال ذلك أنّ للخبر أنواعا أخرى غير الابتداء.بل إنّ تعريف المبرد للجنس يبين أنّ الخبر نفسه نوع لجنس أعلى لعله الأقوال ، فمنها ما يكون خبرا ومنها ما يكون شيئا آخر يسهّل التواصل.

– لئن لم يصرح المبرّد بضروب القول المعربة عن الجهة في المقتضب، فإنّنا نفهم اقتضاء أنّه يصنّف معاني الكلام إلى معان واجبة، وهي الخبر ومراتبه، ومعان غير واجبة، وهي المعاني المقابلة للخبر.ذلك أن نظم الأقوال عند المبرد ليس عملا اعتباطيا، وإنّما هو للتعبير إمّا على:
أ- ما يجوز أن يقال لقائله إنّه صادق أو كاذب، وهو الخبر.
ب- ما لا يجوز أن يقال لقائله إنّه صادق أو كاذب، وتمثله المعاني المقابلة للخبر التي يعبّر عنها مصطلح غير الواجب.
– ارتبطت قيمة الصدق والكذب باعتبارها قيمة إحاليّة مرجعية بعلاقة اللفظ بالكون الخارجي على سبيل المطابقة او عدمها.ولئن لم يشر المبرّد إلى مفهوم المطابقة، فإنّ حديثه عن الصدق والكذب حديث عن المطابقة، لأنّ”مفهوم المطابقة هو الذي يكوّن الصدق والكذب” .ولقد كان تعريفه للخبر منطلق النحاة للتفصيل والتحليل بحثا عن الدقة في تصميف مراتب المعنى.ويبدو أنّ تأويل تلميذه ابن السراج لقيمة الصدق والكذب وربطهما بمحل المبني عليه الكلام تأويل مختلف عما ساد البحث النحوي بعده.فقد ربط صاحب الأصول قيمة الصدق والكذب بخبر المبتدأ ف”الاسم الذي هو خبر المبتدأ هو الذي يستفيده السامع ويصير به المبتدأ كلاما وبالخبر يقع التصديق والتكذيب” .فقول القائل :
3- زيد أخوك.
قيمة الصدق والكذب تقع على”أخوة زيد”لا على زيد.
ولعل مبرّر ابن السراج يعود الى إقرار المبرّد بأنّ الفائدة تحصل في محل المبني عليه الكلام، ويعود كذلك الى عموم التعريف وغموضه الى حدّ ما.وهو مذهب لم يسد في البحث النحويّ بعد ابن السراج، فلم يتناول تأويله أحد.بل نجد إعراضا عنه، ورفضا له”فالخبر الذي شرطه احتمال الصدق والكذب الخبر الذي هو قسيم الإنشاء لا خبر المبتدإ” .
والحاصل من ذلك أنّ الصدق والكذب مقياس اعتمده المبرد، ومن جاء بعده من النحاة والبلاغيين لتمييز الخبر من المعاني غير الواجبة(الإنشاء والطلب أو الإنشاء فقط)حسب اختلاف التصنيفات.
– ربط المبرّد احتمال اللفظ للصدق والكذب في علاقته بحالة الأشياء في الكون الخارجي بالمتكلم الذي يحدث المعاني النحوية ويوجدها بتكوينه للبنية النحوية المجردة[ عا×مع] من الداخل بعقده للرابطة بين عامل ومعمول.وهو ما يجعل علاقة المتكلّم بالكون علاقة لغوية بالأساس يترجمها مفهوم المطابقة باعتباره مولّدا لقيم الصدق والكذب في كلام المتكلّم.
– مفهوم المطابقة، وإنْ يذكره المبرّد، فقد اهتم به غيره من النحاة، فذكر الاستراباذي أنّ مفهوم المطابقة مفهوم أساسي في تعريف الكلام الخبري.فالخبر”هو الذي يقصد المتكلم أنه له خارجا موجود في أحد الأزمنة مطابقا لما تكلم به فإنْ طابقه سمّي كلامه صدقا وإلا فكذبا” .ويقابل المعاني غير الواجبة، وهي صنف”لا يقصد المتكلّم به ذلك، وإنّما يحصل المتكلّم المعنى الخارج لذلك الكلام” ، وهو الإنشاء الذي لم نجد له حضورا في المقتضب من حيث المصطلح، وإنْ حضر مفهوما من خلال مفهوم الإيقاع.
– مقياس الصدق والكذب مقياس وضعه المبرد، وإنْ بدا وضعه تعريفا للخبر، فإنّ مذهبا آخر يبدو ثاويّا في تصوّر صاحب المقتضب ينبني على اعتبار مقياس المطابقة مقياسا تمييزيّا للخبر عن غيره من المعاني النحويّة، وهو ما تجسد في مفهوم المطابقة عند بقية النحاة.فالصدق والكذب قيم تواجدية ناتجة عن العلاقة بين الكلام والكون الخارجي على سبيل المطابقة أو عدمها، “فإنْ حصلت المطابقة المقصودة، فالكلام صدق وإلا فهو كاذب.فلهذا قيل إنّ الخبر محتمل للصدق والكذب” .
لكنّ مفهوم المطابقة ارتبط بمفهوم أساسي هو مفهوم القصد الذي يرتبط بالمتكلّم.ولئن تواتر هذا المفهوم في تحليلات المبرّد، فإنّه يكشف عملية تواصلية معقدّة بين المتكلم والمخاطب.

بذلك يبرز مفهوم المطابقة مفهوما مركزيا في تصنيف علاقة البنية النحوية بما يجري في الكون الخارجي.وهي علاقة تصورية تنخزل في فكر المتكلّم في شكل اعتقاد يتوزع وفق قيم تواجدية موجبة وسالبة تنكشف في البنية النحوية بواسطة الإعراب.
كان لتحديد المبرد مفهوم الخبر أثر كبير في البحث النحويّ.فقد سار النحاة على منهج المبرد ف”تشبثوا بمفهوم التصديق والتكذيب لحدّ الإنشاء لما يختص به هذا المفهوم من تعميم يشمل الطلب والإيقاع” .ويبدو أنّ هذا المقياس مقياس عام ارتبط عند المبرّد بقصد المتكلّم، وارتبط عند غيره بمدى المطابقة أو عدمها مع الكون الخارجي.
يكون القول صادقا إنْ طابق ما يجري في الواقع المحدّد بأحد الأزمنة الثلاثة، وكاذبا إنْ لم يطابق.وهذا ما يبرز أهمية مفهوم المطابقة “فالأصل أن الصدق مطابقة القول للكون الخارجي في الوجود والعدم وأن الكذب هو عدم المطابقة بين القول وحالة الأشياء في الكون الخارجي” .فالصدق والكذب قيمة إحاليّة مرجعية ترتبط بالسياق التواصلي أكثر من ارتباطها بالبنية النحوية المجردة التي تتميز في تصور الشريف بالصدق المطلق الذي يتخصّص في مرحلة الوسم اللفظي صدقا أو كذبا.لذلك كان الصدق والكذب مقامييْن، وكان الصدق المطلق نحويّا.ف”اللغة لا تحرم ان يقال للمتكلم بها صدقت او كذبت” .ونمثل لذلك ب:
متكلم مخاطب
(قول) صدق مطلق (مقام) صدق/ كذب
يقوم منوال التشارط والاسترسال على أنّ كنه اللغة الصدق المطلق، فالصدق المطلق خاصية البنية النحوية.وأما الكذب، فيرتبط بالمقام لأنّ”البنية النحوية في مستوى تجريدي معين صادقة وصادقة فقط وفي مستوى أخر قابلة للتصديق والتكذيب” .فيكون صدق المتكلم مواضعة لغويّة، ويكون الصدق والكذب مواضعة خطابية ترتبط بمستويات مقاميّة.وهو المعنى الذي أشار إليه صاحب شرح الكافية”وأما قولهم الخبر محتمل للصدق والكذب فليس مراده أن الكذب مدلول لفظ الخبر كالصدق بل المراد انه يحتمل الكذب من حيث العقل أي لا يمتنع عقلا ألا يكون مدلول اللفظ ثابتا” .فالكذب احتمال عقلي في اللفظ وليس مدلولا واقعيّا، لأنّ كنه اللغة الصدق المطلق.ذلك أنّ”الصدق هو المدلول الوضعيّ للجملة والكذب مدلول محتمل لها في العقل” .فاللغة في جوهرها صدق مطلق والكذب احتمال عقلي ينحل الى صدق وكذب يرتبطان بالمقام.

ساد تحديد مفهوم الخبر انطلاقا من مفهوم المطابقة المكوّن لقيم الصدق والكذب البحث النحوي بعد المبرد.وقد ارتبطت المطابقة بالمتصوّرات الذهنية التي تمثل الاعتقاد الذي يتحكم في البنية النحوية في أساسها المجرّد، يصرفها اعتقاد وجوب النسبة، وهو ما يولد الخبر ويصرفها عدم اعتقاد، وهو ما يولد المعاني النحوية المقابلة للخبر.
إذا كان ذلك، كانت مراتب الإعراب عن جهات الاعتقاد في المقتضب:
– ما يجوز أن يقال لقائله انه صادق ا كاذب وهو الخبر.
– ما لا يجوز أن يقال لقائله انه صادق أو كاذب وهو المعاني الممكنة .
إنّ تصنيف جهات الاعتقاد ارتبط بنظرية الإعراب والعمل التي تتأسس على أنّ للمتكلم موضعا في البنية النحوية المجردة.وهو موضع يمكن أن تكون شاغرا ويمكن أن يوسم باللفظ في مستوى الانجاز.ووسمه يكون بواسطة الحروف و الأفعال التي اعتبرت من قبل بعض الباحثين محددة لجهات اعتقاد المتكلم في التراث النحوي .

2- الابتداء أول ضروب الخبر:
توصلنا إلى كون الخبر ما جاز أن يقال لقائله التصديق والتكذيب حسب مقياس المطابقة للكون الخارجي.وهو يضم مراتب في المعنى تختلف باختلاف درجات اعتقاد المتكلم في كلامه في علاقته بحالة الأشياء في الكون الخارجي من جهة وفي علاقته بالمخاطب من جهة أخرى.ويكون هذا الاختلاف في درجات الاعتقاد مسجلا في البنية النحوية المجردة التي تتحكم في تلوينات الانجاز.ويورد الجرجاني في الدلائل نصا نقل عن المبرد.وهو نص بدا في نظرنا طريفا نعتمده مدخلا تأطيريا لما نحن بصدد دراسته.

يقول الجرجاني”أنّه قال ركب الكندي المتفلسف الى أبي العباس وقال له:إني لأجد في كلام العرب حشوا فقال له ابو العباس:في أي موضع وجدت ذلك؟فقال أحد العرب يقولون:عبد الله قائم.ويقولون:إنّ عبد الله قائم.ثم يقولون:إنّ عبد الله لقائم.فالألفاظ متكرّرة والمعنى واحد.فقال أبو العباس:بل المعاني مختلفة لاختلاف الألفاظ، فقولهم عبد الله قائم:إخبار عن قيامه.وقولهم:إنّ عبد الله قائم:جواب عن سؤال سائل.وقولهم:إنّ عبد الله لقائم:جواب عن إنكار منكر قيامه.فقد تكررت الألفاظ لتكرر المعاني” .
وقد أورد الجرجاني هذا النص في إطار حديثه عن عمل”إنّ”للاستدلال على أنّ النظم هو حسن توخي معاني النحو في معاني الكلم.نقدم بعض الملاحظات حول هذا النص المدخل:

– استدلال المبرد واستشهاد الجرجاني به انتصار لآراء السيرافي لذا نجد صاحب المقتضب يرد على الكندي معتمدا التبرير والتدعيم انطلاقا من قواعد المنوال النحوي فاختلاف المعاني اختلاف لتركب الألفاظ وفق قواعد النحو التي تحسن بها المزية والفضل.
– يبرز النصّ دور البنية النحوية المجردة في التحكم في الأبنية النحوية المنجزة وتسييرها بما يلائم اعتقاد المتكلم في الكلام الخبري.فالزيادة في الألفاظ زيادة في المعنى والاختلاف في إنجاز البنية النحوية اختلاف في درجات الاعتقاد في الخبر:
3- Ө عبد الله قائم .
( عا×مع) (عا×مع)
Ө: شغور موضع فعل المتكلم يدلّ على صدور الكلام عن مجرد الاعتقاد في قيام زيد:الإثبات.ونزعم أن هذه البنية تتكهن بالخبر بمعناه الابتدائي، فالابتداء عند المبرد هو”التنبيه والتعري من العوامل وهو أول الكلام” .ومعنى التنبيه والتعري هو تجرّد البنية النحوية من العوامل والإمارات، وهي عبارة عن حروف وأفعال تعبر عن فعل المتكلم الذي يصرف الكلام عن مجرد الإثبات إلى معان نحوية أخرى تختلف باختلاف مقاصده وإغراضه التي لا تعدو ان تكون جهات اعتقاده.
وهذا المعنى الخاص يدعمه المبرد بمعنى عام، فالابتداء”عبرة لكل كلام وهو الخبر والخبر ما جاز على قائله التصديق والتكذيب” .فالخبر هو الابتداء في المعنى وهو عبرة لكل كلام تتكهن به البنية النحوية المتعرية من كل العوامل التي تدخل لمعان زائدة عن مجرد الإثبات بزيادة في الشحنة الإسنادية المعبّرة عن الكون.
4- Ө عبد الله قائم.
5- Ө قام عبد الله.
(عا×مع) (عا×مع)

تفيد البنية النحوية المتعرية من العوامل مجرّد الإخبار عن قيام عبد الله.فالابتداء خبر وهو أبسط ضروب القول المحققة للمعنى النحوي المجرد في أول وسمه اللفظي وهو أول ضرب من ضروب القول الخبري المعربة عن جهات اعتقاد المتكلم عند المبرد و تفصح عنه البنية النحوية [ عا × مع] المتعرية من العوامل ينجزها المتكلم ويلقي بها الى مخاطب خال الذهن فهو يلقى اليه ابتداء دون حاجة الى تزجيته او إثباته والعلاقة بين المتكلم والمخاطب تكون باهتة بينما تكون علاقة القول بالكون الخارجي قوية باعتباره إخبارا عن حالة الأشياء في الكون الخارجي ويكون اتجاه المطابقة من القول الى الكون الخارجي .
3- الإثبات والنفي:اختلاف درجات اعتقاد المتكلم في الخبر
لما كان خلو البنية النحوية من العوامل الواسمة لمحل فعل المتكلم يفيد الإثبات، وهو معنى الابتداء.فالمتكلم في قوله:
6- عبد الله قائم.
يخبر عن قيام عبد الله، يكون وسم محل فعل المتكلم انزياح عن هذا المعنى الأول.
وقد تعددت واسمات محل فعل المتكلم، وكل واسم يخرج البنية عن المعنى النحوي الأول، وهو مجرد الاعتقاد في الوجود للموجود الى معان نحوية أخرى.ولعل أهم الحروف الواسمة لمحل فعل المتكلم حروف النفي.ولئن لم يحددها المبرد، فإنّ حديثه عن النفي جاء في إطار مقابلته بمعنى الإثبات لأنّ”جميع الكلام في إيجابه ونفيه” .فما المقصود بالنفي؟ هل هو الكلام المقابل للإيجاب وهو ما يجعله من غير الواجب؟

لعل المقابلة بين الإيجاب والنفي في الكلام مقابلة بين الموجب والسالب أي بين الواجب وغير الواجب.ونلاحظ أنّ المبرد، وإنْ صرّح بلفظ الإيجاب، فإنّه لم يصرح بلفظ السلب، وإنّما استعاض عنه بلفظ النفي.فما علاقة النفي بالسلب ؟ وهل قصد المبرد بالإيجاب الإثبات؟ فتكون البنية النحوية مفصحة عن الإثبات واللابثات؟
لا يمدنا حديث المبرد بإجابة واضحة، وإنّما نزعم أن المقابلة بين الإيجاب والنفي مقابلة بين الإثبات الذي يكون في خلو البنية النحوية من العوامل، وهو ما يفيد معنى الابتداء وبين النفي الذي لا يكون إلا بالحروف غالبا.
7- Ө عبد الله قائم .
عا × مع
8- ما عبد الله قائم .
عا × مع
تبرز المقابلة بين الإثبات والنفي في مستوى البنية النحوية، فخلو موضع فعل المتكلم من الواسمات ينتج عنه الإثبات(7)، ودخول حروف تعبّر عن فعل المتكلم في المحتوى القضوي (8) يخرج البنية عن مجرد الإثبات إلى معنى مقابل له، وهو النفي.وتبرز المقابلة أيضا في الدلالة، فالإيجاب في الكلام يقابل السلب.ومقابلة المبرد بين الإيجاب والنفي تجعل النفي يدخل الحقل الدلالي للسلب.
لكن إذا سلمنا بذلك ألا يدمج هذا النفي ضمن الكلام السالب، وهو غير الواجب؟
يترجّح ذلك متى علمنا أنّ دخول واسمات النفي على البنية النحوية الدالة على الإثبات أي الابتداء بما هو خبر يدمجه على سبيل المشابهة ضمن واسمات الاستفهام والتعجب وغيرها من المعاني غير الواجبة. .
9- Ө عبد الله قائم.
عا مع
10- ما عبد الله قائم.
عا مع
11- أ عبد الله قائم؟
عا مع
( عا × مع) (عا ×مع)
موضع فعل المتكلم المحتوى القضوي
( اللغة ) ( الواقع)

ويضعنا هذا التمثيل في إشكال، فالمقابلة بين الإثبات والنفي تخفي في المقتضب مقابلة أعمق بين الخبر والاستفهام.ذلك أنّ النفي يقابل الاستفهام عند المبرد”وكان الكلام كما كان عليه لأنّك أدخلت النفي على ما كان موجبا وذلك قولك أزيد في الدار ؟ فتقول لا زيد في الدار ولا عمرو[…]قولك لا زيد في الدار إنما جواب:أزيد في الدار؟” ، فالنفي جواب عن سؤال سائل.وإذا علمنا أنّ المبرد يعتبر”الأخبار جوابات عن الاستفهام”صريحا كان أو ضمنيا كان النفي خبرا يقابل غير الواجب الذي يكون أساسه الدلالي الإمكان.

إذا صحّ ذلك، فإنّ المتكلم يعبّر بالخبر المثبت عن حدث استقر وقوعه في تصوّره وفي الكون الخارجي، ويعبّر بالخبر المنفي عن حدث استقر وقوعه في تصوّره دون الوقوع في الكون الخارجي.فالخبر الابتدائي يمكن تجريده للدلالة على وجوب الإيجاب، وهو الإثبات ووجوب السلب، وهو النفي.فيكون الإثبات دلالة البنية المجرّدة من العوامل أمّا النفي فلا يكون إلا بالحروف التي تسم موضع فعل المتكلم ذلك لأنّ “الإثبات لا يحتاج الى دليل من اللفظ ليدل عليه فهو يوجد بمجرد عراء صدر الجملة من الواسمات أمّا النفي فهو كغيره من ضروب العمل اللغوي داخل على الكلام الموجب” .

إذا كان ذلك، كان الإثبات خبرا والنفي خبرا.ولعل تصوّر المبرد لمراتب الكلام الخبري يقترب من بعض التصورات الحديثة، فسورل ينزل الإثبات والنفي ضمن الخبريات(les assertifs) .ويكون الخبر عند المبرد معبرا عن جهات اعتقاد المتكلم في مضمون كلامه.فالخبر المثبت يعبر به المتكلم عن اعتقاده في حدث استقر وجوده في التصور والكون الخارجي في أحد الأزمنة الثلاثة.والخبر المنفي يعبر به المتكلم عن اعتقاده في حدث استقر وجوده في التصور دون أن يكون لذلك مرجع في الكون الخارجي.ولعل في اعتبار المبرّد أنّ أصلي الكلام الإثبات والنفي تصور نجده يتردد في بعض الدراسات الحديثة .

4- الأفعال التي تستعمل وتلغى:أفعال اعتقاد حقيقية

ذهب الشريف(2002) إلى أنّ المبرد هو أوّل من تحسّس التعبير عن صدور البنية النحوية عن الاعتقاد.واستدل على ذلك بحديث المبرّد عن مفهوم الإيصال من خلال تحليله لأفعال القلوب أو أفعال الاعتقاد بكيفيّة تكون كل جملة صادرة عن اعتقاد سوى وسم محل فعل المتكلم أو لم يوسم.فهده الأفعال تدخل على كلام عمل بعضه في بعض وأوجب فائدة للمخاطب”لتخبر بما هجس في نفسك من يقين أو شك” .ونتوسل الأمثلة التالية وهي أمثلة مأخوذة من المقتضب لتحليل ما تعبّر عنه هذه الأفعال من جهات اعتقاد :
12- Ө زيد منطلق .
عا مع
13- ما زيد منطلق.
عا مع
14- ظننت زيدا منطلقا.
عا مع

نلاحظ:
– أنّ خلو البنية النحوية من الإمارات الواسمة لموضع فعل المتكلم يجعل الكلام صادرا عن مجرد الاعتقاد في انطلاق زيد في (12) الذي يفيد الإثبات.
– أنّ دخول عوامل، هي عند المبرد حروف وأفعال، يصرف الكلام عن معناه الأول ليفيد معاني تختلف باختلاف جهات اعتقاد المتكلم في مضمون كلامه.
– لما كان موضع فعل المتكلم موضع انفتاح البنية النحوية المجردة على مقتضيات المقام، فإنّ هذا الموضع قابل لأن يوسم بالحروف مثلما هو الشأن في النفي (13) وقابل لأن يوسم بالأفعال(14)”وإنّما مجاز هذه الأفعال(كان وأخواتها)ومجاز الأفعال التي تقع للعلم والشك وباب إن مجاز الابتداء والخبر” .
يدخل هذا الصنف من الأفعال على كلام عمل بعضه في بعض واستغنى بما يوجب فائدة للمخاطب، فهي بمنزلة الابتداء.فهي ليست أفعالا حقيقية”واصلة منك الى غيرك” ، وإنّما هي”إخبار بما هجس في نفسك من يقين او شك” :
15- ظننت زيدا منطلقا.
16- علمت زيدا منطلقا.
17- حسبت زيدا داخلا دارك.
18- خلت بكرا أبا عبد الله.
ومن الخصائص الدلاليّة لهذه الأفعال أنّها لا تغيّر المعنى، وإنّما تدخل”لمعان على الابتداء والخبر” .والمقصود بالمعاني هي جهات اعتقاد المتكلم في مضمون خبره.فهي أفعال غير حقيقية تكون إخبارا عما استقر عند المتكلم من يقين أو شك او ظنّ أو حسبان.
ما نستنتجه أنّ هذه الأفعال تعيّن جهات اعتقاد المتكلم في خبره، فهي إخبار عما هجس في نفسه من يقين أو شك.وهذا ما يؤهلها لتكون أفعالا نفسية اعتقاديّة حقيقية.ونلاحظ أنّ المبرد يسند هذه الأفعال في جل السياقات الى المتكلم.ولئن لم يميز بين ما يفيد الشك أو العلم أو اليقين، فإننا نردّ التمييز بينها إلى المعجم والمقام.
– تعين هذه الأفعال جهات اعتقاد المتكلم فنتحدث عن جهات الظن وجهات العلم وجهات الشك.فهي أفعال نفسية تخلو من صفة الحدثية، وهو ما يفسر إدراج النحاة إياها ضمن ما يسمّى”أفعال القلوب”.
خاتمة الفصل:
يخضع اختلاف درجات اعتقاد المتكلم في الخبر لنوعية العلاقة بين المتكلم والمخاطب، وهو ما يؤكد حضور كليهما في البنية النحوية.بموجب ذلك يكون المقام عنصرا من عناصر تكوين المعنى، وتكون الجهة بنيويّة.وبمقتضى ذلك يكون الإعراب كاشفا عن المعنى الذي لا يعدو أن يكون جملة المتصورات الذهنيّة والنفسيّة التي تمثل جهات اعتقاد المتكلم.
وقد كشف استرشادنا بنصّ الدلائل للجرجاني، وتصفّحنا للمقتضب عن اختزال البنية النحوية لوضع تداوليّ معقد.فالمتكلم يقيم علاقة بالكون الخارجي قوية في الخبر المثبت والخبر المنفي مقابل ضعفها مع المخاطب.
إنّ الزيادة في الألفاظ زيادة في المعاني وهو مبدأ أساسي اعتمده النحاة في تحليل اختلاف جهات اعتقاد المتكلم في الكلام.وبمقتضى ذلك المبدأ كان أضعفها الابتداء إثباتا ونفيا وأقواها التوكيد.


ما لا يجوز أن يقال لقائله إنّه صادق او كاذب

تمهيد:

نظرنا في الفصل السابق في دلالة البنية النحوية [عا×مع] على الخبر، وهو ما يجوز أن يقال لقائله إنه صادق أو إنه كاذب حسب مقياس المطابقة أو عدمه للكون الخارجي.ونتناول في هذا الفصل المعاني النحوية الجهية المقابلة للخبر.وهي معان نحوية تتكهن بها أبنية نحوية منجزة تمثل”ما لا يجوز أن يقال لقائلها أنّه صادق أو إنّه كاذب لأنّها معان باللغة وفي اللغة ولا وجود لها في الكون الخارجي تطلب مطابقته في احد الأزمنة الثلاثة.
نزّل المبرد هذه المعاني ضمن غير الواجب، وهي ثلاثة معان أساسيّة:الاستفهام والأمر والنهي وما يكون بمنزلتها.وهي معان أصلية تتفرع عنها معان ثانوية تنجز في مقامات تواصلية مخصوصة.
يحكم مقولتيْ الواجب وغير الواجب في المقتضب قانون”وكل باب فأصله شيء واحد ثم تدخل عليه دواخل لاجتماعها في المعنى” .وهو ما يجعل هذه المعاني في تشارط واسترسال إذ تتولد عن بعضها البعض ويدخل بضعها حيزات البعض.وتفسير ذلك مثلا أنّ ألف الاستفهام هو الحرف الذي وضعه الواضع لدلالة الاستفهام.لكن قد تدخل على الهمزة حروف وأسماء وتتشرب في مجاورتها ووقوعها مواقعها في البنية النحوية معنى الاستفهام.
وما يلاحظ أنّ الاسترسال مسجل في حيزات البنية النحوية بين محل الاعتقاد أو الإنشاء ومحل الإحالة ويتخصص في الإنجاز جهات واجبة وجهات غير واجبة.وتكون الجهات غير الواجبة مراتب في المعنى.

1- الاستفهام”معنى غير واجب”:

يقابل المبرد في سياقات عديدة في المقتضب بين الخبر إثباتا ونفيا وبين الاستفهام.وهي مقابلة بين ما يجوز أن يقال لقائله إنه صادق أو إنه كاذب وبين ما لا يجوز لأنّه عمل باللغة وفي اللغة ولا خارج له تطلب مطابقته في أحد الأزمنة الثلاثة.ونلاحظ أنّ المبرد يستعمل لفظ الاستفهام مع مرادفات أخرى مثل الاستخبار والاسترشاد والاستثبات.
يقابل الاستفهام الخبر”إنّما وضعت الأخبار جوا بات للاستفهام” وقد ورد هذا التعريف في باب النفي ب”لا”بكيفية يكون الخبر إثباتا ونفيا جوابا عن استفهام صريح أو ضمني.فهل يستلزم ذلك القول إنّ أصل الكلام استفهام، وأنّ الخبر لاحق به، وما يمكن أن يتّرتب عن ذلك من أسبقيّة غير الواجب على الواجب؟

الاستفهام أصل الخبر، فالأخبار مثبتة أو منفية تكون جوابا لاستفهام صريح او ضمني.فالعلاقة بين المتكلم والمخاطب محكومة بالسؤال والجواب، ف”أول كلامك لما تسأل عنه وأخر لمن تسأله” .فالاستفهام عمل يكون” لقوم يتوقعون الخبر” وهو ما يجعله أصل الكلام، يسبق الخبر، ذلك أنّ كل إخبار”يصح أن يكون جوابا لمسألة” .
بناء عن هذا الافتراض يكون الخبر مولدا عن استفهام صريح أو ضمني، غير الواجب سابقا للواجب، والسلب سابقا للإيجاب والعدم سابقا للوجود.وهو ما يبرّر اختباريا وتجريبيّا، فالطفل يتعامل في بداية حياة تعاملا تكثر فيه الأسئلة بدافع الجهل ولغاية المعرفة.وتكون علاقة بالكون الخارجي قائمة على الاستفهامات .يتدّعم هذا بما تؤكده بعض الدراسات النفسية والدراسات اللسانية الحديثة، فأوركيوني في دراستها للعلاقة بين الاستفهام والخبر تؤكد أنّ الاستفهام سابق للخبر وأنه أصل الكلام وترتبط الأسبقية في اعتقادها بالتصور وليس بالزمان .

نجد في المقتضب ما يقلّل من صحة هذا الافتراض فقد أشار المبرد إلى أنّ الابتداء أول الكلام.وهذا التداخل بين الاستفهام والخبر أشار إليهlynos في كتابه”الدلالة اللسانية”.فبعد أن صنف هذا الباحث الكلام إلى خبر واستفهام وطلب ولاحظ تداخلا في الأبنية التركيبية الدلالية بين الخبر والاستفهام وذهب الى أنّ الفصل يتجاوز ما مثل له بالأفعال الإنشائية الى مقياس التنغيم .
وهو تصوّر قلل من وجاهته الاستناد إلى مقاييس معجميّة مقاميّة، لأنّنا نعتقد أنّ الأمر أعمق من ذلك يرتبط بقوانين البنية النحوية الكاشفة للعلاقات البنيوية الدلالية العميقة بين الاستفهام والخبر.وهذا ما يجعل الاستفهام مولدا للخبر والخبر أصل الاستفهام ” فالخبر والاستفهام ” زوج ملازم ” أحدهما للأخر une paire adjacenteبعبارة جيرو .

ويذهب ميلاد في نقده لهذه التصورات التي تعتبر الاستفهام أصل الكلام وأن الواجب لاحق بغير الواجب الى اعتبارها افتراضات واهية تعتمد مبررات من خارج النحو”الحاصل أنّ انتباه أصحاب هذه الدراسات من الغربيين المحدثين لمنزلة الاستفهام في مسترسل معاني الكلام إنّما كان منبنيا على منطق الأشياء أكثر من انبناءه على منطق اللغة” ، وخاصة طرح أوركيوني الذي اعتمد آليات التحليل النفسي، فكان بعيدا عن مجالات النحو .

لا تعني هذه المقابلة أن الاستفهام معنى طارئ على البنية النحوية الخبرية وإنّما الاستفهام والخبر كلاهما انجاز للبنية النحوية المجردة [عا×مع].ويكون والفرق بينهما أنّ موضع الفائدة شاغر في خبر الإثبات موسوم باللفظ في الاستفهام.ويعود ذلك إلى ما يسم بنية الاستفهام من توتر يطرأ على البنية النحوية المجردة في محل الحدث الإنشائي.وهو موضع تشغله ألف الاستفهام ويكون مرشّحا لدخول حروف أخرى من قبيل حروف النفي، وحروف الجزاء، وحروف النداء.

يؤكد هذا التحليل أنّ موضع الحدث الإنشائي هو المحدد لنوع الكلام أكان خبرا أو استفهاما أو أمرا أو نهيا أو نداء”إنّما استفهمت، فجئت بالآلة التي من شأنها أن ترفع زيدا وإن لم يكن وقع منه فعل ولكنّك سألت هل يكون فاعلا وأخبرت أنّه سيكون فاعلا” .فالاستفهام سؤال عما لم يستقر وقوعه في الذهن.وأنت تسأل عن أمر غير واجب تريد إيقاعه في ذهنك بينما يكون الخبر إخبار عن وجود مستقر في الذهن بغض النظر عن الوقوع في الكون الخارجي.فالوجود سابق في الخبر للغة لاحق في الاستفهام.وهو ما يجعل اتجاه المطابقة مختلفا، فبينما يكون في الخبر من اللغة الى الكون يكون في الاستفهام من الكون الى اللغة:
الاستفهام : اللغة الكون
الخبر : اللغة الكون
اتجاه المطابقة
أمّا معنى الاستفهام العام، فقد عرفه المبرد بقوله”وكذلك كل ما هو غير واجب وهو الأمر والنهي والاستفهام” .فالاستفهام يتنزل منزلة غير الواجب يقوم على عناصر قولية ومقامية أساسها المتكلم والمخاطب.فالمتكلم يطلب فهما أو معرفة، ويسأل المخاطب انجازهما.والمخاطب يملك أو ربّما تلك المعرفة.وقد أشار المبرد إلى هذا المعنى بقوله”أن ذلك ليس على جهة الاستفهام لآن المستخبر غير عالم وإنما يتوقع الجواب فيعلم” .

إذا كان ذلك، كان فالاستفهام جهة من جهات اعتقاد المتكلم ومعنى نحويّا غير واجب الوجود يستوجب شروطا مقامية ليكون ناجحا أهمها ضرورة توفر سائل(متكلم)جاهل عما يسأل عنه، وتوفر مسؤول(مخاطب)يمتلك المعرفة والعلم بما استقر وجوده في تصور المتكلم.فالأساس الدلالي للاستفهام هو عدم المعرفة، وعدم امتلاك المتكلم المعرفة خلافا للخبر الذي يقوم على اعتقاد يقين المتكلم في وجود مضمون الخبر.فالجهل بالمعلومة هو المولد للاستفهام باعتباره عملا يستوجب مقتضيات تداوليّة لنجاحه أو إخفاقه، وأهمها جهل المتكلم عما يسال عنه ويترقب الإجابة عنه وان يكون المخاطب يملك المعرفة .ولعل مقصود لاينز ب” الترقب “هو ما عبر عنه المبرد ب”التوقع”، فالمتكلم يتوقع وهويجعل الاستفهام معنى غير واجب يقوم في أساسه الدلالي على الإمكان الذي يقابل الاعتقاد، وهو الأساس الدلالي للواجب.

ما نستنتجه من دراسة الاستفهام في المقتضب:
– الاستفهام جهة من جهات اعتقاد المتكلم تنبني على التوقع والإمكان:إمكان أن ينجز المخاطب المعنى في ذهن المتكلم على سبيل التصديق والتصور.
– الاستفهام معنى غير واجب الوجود يطلب به المتكلم من المخاطب أمرا لم يستقر وقوعه في ذهنه وهو يتطلب شروطا مقامية تداولية أهمها جهل المتكلم وإرادته المعرفة وتقديره وتوقعه ان يكون المخاطب يملك تلك المعرفة.فالمستفهم غير عالم، وإنّما يتوقع من المخاطب المعرفة.
– الاستفهام معنى لا يجوز أن يقال لقائله إنّه صادق أو إنّه كاذب لأنّه عمل باللغة وفي اللغة ولا خارج له تطلب مطابقته في أحد الأزمنة الثلاثة.وعمل هو يقابل الخبر، ويتنزل ضمن المعاني”الطلبية”بمعية الأمر والنهي.وقد افترضنا أن هذه المعاني تتنزل ضمن قسم الطلب، وهو مصطلح، وإنْ لم يصرح به المبرد، فإنّنا رائحته تتجسّد في قيام هذه المعاني على إرادة إيقاع فعل في الكون الخارجي وتغيير محتواه وفي مقابلتها للخبر الذي يقوم على الاعتقاد.فما يجمع الاستفهام والأمر والنهي هو مفهوم الإرادة ومفهوم القصد إلى إنجاز فعل في الكون الخارجي وفي تصور المتكلم.ويكون اتجاه المطابقة في هذه المعاني من اللغة الى الكون، لأنّنا نخبر عما استقر وجوده، وننشئ ما لم يوجد باللغة.

2- الأمر والنهي:معنيان غير واجبين وجهات الإلزام:

خصص المبرد للأمر والنهي بابا مستقلا، ولم يعرفهما.وربّما نجد في هذا التخصيص إفرادا لهما بخصائص تركيبية دلالية تميزهما عن سائر المعاني النحوية.إذ يقابلهما من جهة بالخبر في كونهما والاستفهام معاني غير واجبة”وكذلك ما كان غير واجب وهو الأمر والنهي والاستفهام” .ويقابلهما من جهة ثانية بالاستفهام كونه يكون بالحروف وكونهما لا يكونان إلا بالفعل”الأمر كله لا يكون الا بالفعل” مظهرا او مضمرا ولعل هذا التمييز يعود إلى قوة الطلب فالأصل في الطلب للفعل والحرف فرع عليه في ذلك.
ونلاحظ أنّ المبرّد ربما اعتبر النهي أمرا، فهو عندما يتحدث عن وجوب وقوعهما بالفعل إنّما يذكر الأمر فقط”لأنّ الأمر لا يكونه إلا بالفعل” فالنهي في تصور المبرد أمر ولا يكون الأمر نهيا.

نفهم من كلام المبرد أنّ الأمر والنهي معنيان يقومان على دفع المخاطب للقيام بفعل أو الكف عن القيام به في الكون الخارجي.وهما عملان يختلفان في هذا عن الاستفهام باعتباره طلب المتكلم من المخاطب تثبيت أمر لم يستقر وقوعه في ذهنه.وهذا المعنى الذي تفيده بنيتا الأمر والنهي نجده من المسلمات النظرية عند النحاة ولا اختلاف فيه بين المبرد سيبويه.فالأمر والنهي كلاهما تزجية وطلب تغيير حالة الأشياء في الكون الخارجي بواسطة اللغة.بينما يكون الاستفهام طلب تثبيت أمر لم يستقر وقوعه في ذهن المتكلم.
غير واجب يتفاوت درجات، فالاستفهام معنى غير واجب لكنّه يختلف عن غير الواجب في الأمر والنهي بتوتر يتولد عن كونهما إلزاما للمخاطب”لأنك اذا نهيت أو[أمرت]، فأنت تزجيه الى أمر، وإذا أخبرت أو استفهمت فأنت لست تريد شيئا من ذلك وإنّما تعلم خبرا او تسترشد مخبرا” .

لئن ارتبطت قوة الطلب في الأمر والنهي مقابل ضعفها في الاستفهام بالفعل مظهرا أو مضمرا، فإنّها ترتبط أيضا بشروط مقاميّة تتصل بعلاقة المتكلم بالمخاطب في عملية التعامل القولي(interaction verbal) .فبينما تكون العلاقة في عمل الاستفهام هادئة حيث يطلب المتكلم بتحبّب من المخاطب تثبيت ما لم يستقر في ذهنه، تكون في عمليْ الأمر والنهي متوترة، فالآمر أو الناهي في مرتبة أعلى من المخاطب، لذلك يكون الطلب أقوى مما يقربه من حيزات الإلزام والسرعة في طلب إنجاز الفعل على خلاف الطلب في الاستفهام الذي يتصف بالتراخي نظرا لضعف سلطة المتكلم في الاستفهام .
تعبر عن الأمر والنهي صيغ وتراكيب وضعها الواضع، فالأمر يعبّر عنه:
– فعل الأمر مبني غير مجزوم يستدعي مأمورا حاضرا وقت الطلب فان قلت : ليضرب زيد : وأنت تريد الأمر لم يجز لأن” المأمور ليس بمواجه”

– لام الأمر + الفعل المضارع المجزوم : يكون أمر الغائب بجزم الفعل باللام ” فاذا لم يكن الأمر للحاضر فلابد من إدخال اللام” .
نلاحظ أنّ الأمر معنى تختلف صيغه حضورا وغيابا حسب مقياس علاقة المتكلم بالمخاطب.فأمر المخاطب يكون أقوى من أمر الغائب، وهو ما يستدعي قيام الأمر على عناصر مقامية تداوليّة مسجلة في البنية النحوية المنجزة.فالبنية النحوية للأمر تستوعب المقام باعتباره طرفا من أطراف تكوين المعنى النحوي.
ويعبر عن النهي بصيغة واحدة تكون للغائب والحاضر المواجه للمتكلم، وهي حرف النهي ” لا” يقع على فعل الشاهد والغائب وذلك قولك ليقم زيد ولا تقم يا رجل[…]فالفعل بعده مجزوم به” .

يدل اسم الفعل على الأمر والنهي، وهي صيغ تصريفية فقدت تصرّفها وأشبهت الفعل ولم تعمل عمله ولم تقو قوته”ولكنها أسماء تدل عليها وأجريت مجراها لأنها لا تصرف تصرف الفعل وذلك قولك صه ومه[…]وكذلك وراءك و عليك” .
وتعبر عن الأمر والنهي مفاعيل منتصبة على إضمار الفعل المتروك إظهاره”وقد رأيت رجلا قد أشار بسيف فقلت:زيد.أو ذكرت أنّه يضرب أو نحو ذلك جاز لأنّ المعنى أوقع ضربك بزيد” .

ما يلاحظ أن الأمر والنهي بهذه المفاعيل المنتصبة إيقاع للفعل أو ترك إيقاعه بواسطة المخاطب، وهو ما يجعلاهما يسترسلان مع النداء باعتباره إيقاعا للمعنى باللفظ.فهل الأمر والنهي عملان يوقعان معناهما باللفظ؟
إنّ دلالة هذه المفاعيل على الأمر والنهي ليست دلالة وضعية نحويّة، وإنّما دلالة مقامية، وهي تفيد معاني نحوية تتنزل منزلة الأمر والنهي كالتحذير والإغراء.

اعتبر المبرد أنّ الأمر والنهي معنيين غير واجبين يقابلان الخبر ويدلاّن على الطلب ولا يكونان إلا بالفعل.فأنت حين تأمر إنّما تطلب إنجاز ما هو غير موجود وإذا نهيت فأنت تطلب ترك الآتيان بالفعل.واعتبرهما عملين لغويين يمثلان رأس المعاني الطلبية يليهما الاستفهام في كونها أعمال تنجز معناها بلفظها.
3- الدعاء”طلب للمعنى”بمنزلة الأمر والنهي
نزّل المبرّد الدعاء منزلة الأمر والنهي”اعلم أن الدعاء بمنزلة الأمر والنهي في الجزم والحذف عند المخاطبة” وعرف بكونه طلبا”وإنّما قيل دعاء وطلب للمعنى لأنك تأمر من هو دونك وتطلب الى من أنت دونه وذلك قولك ليغفر الله لزيد وتقول اللهم اغفر لي كما تقول اضرب عمرا” .فالدعاء بمنزلة الأمر والنهي في اقتضاء الجزم في الفعل المضارع الذي يكون غير واجب الوقوع:
19- ليغفر الله لزيد
20- اضرب زيدا .
والدعاء معنى غير واجب يصطلح عليه المبرّد بلفظ”الطلب”، وهو معنى لغوي بسيط، لا يرتقي الى مستوى المصطلح.
ولئن اعتبره”من النهي بمنزلته من الأمر يجري على لفظه كما يجري على لفظ الأمر الا ترى انك لا تقول نهيت من فوقي لكن طلبت إليه وذلك قولك لا يقطع الله يد فلان” ، فإنّ الدعاء أمر ونهي وليس بأمر ولا نهي.وما أضعف من قوة الأمر فيه شروط مقامية تعود الى المواضعات الاجتماعيّة والأعراف الدينيّة، وهو ما عبّر عنه صاحب الكتاب بقوله”إنّما قيل دعاء لأنّه استعظم أن يقال أمر ونهي” .
بل إنّ المبرد يذهب إلى تدقيق معنى الدعاء في علاقته التركيبيّة الدلاليّة بالأمر.فالأمر يكون لمن هو دونك مرتبة أمّا الدعاء فيكون طلبا ممن أنت دونه مرتبة.لذلك حدّده بمفهوم الطلب ولم يقل أمرا أو نهيا.فالفرق بين الأمر والدعاء أن الأمر هو”أنك تأمر من هو دونك” وهو المعنى النحوي الوضعي للآمر بينما يكون الدعاء أنك”تطلب إلى من أنت دونه” .فالاختلاف يرتبط بمعطيات تداوليّة ترتبط بوضعيات التواصل وخصائص التعامل القولي.

هذا جعل الواضع لا يضع للدعاء بنية نحوية مخصوصة وإنما تعبّر عن الدعاء بنية خبرية أحيانا وبنية الأمر أحيانا أخرى وهذا ما يفسّر اعتبار المبرّد الدعاء”طلب للمعنى”.وإنْ نزلنا الطلب مفهوما في هذا المستوى من البحث، فإنّ ذلك يعود إلى حدس أولي ينبني على أن ظهور مفهوم الطلب كان مع سيبويه، وأنّ المبرّد كان واعيا بحدوده.لذلك لم يستقر مصطلحا في المقتضب، وإنّما قام مفهوما من خلال مبحث الدعاء والمباحث التي تتنزل منزلة غير الواجب.
اعتبر المبرد الدعاء طلبا صادرا عن إرادة إنجاز عمل، وهذا ما جعلنا نعمّم مفهوم الطلب على أعمال الأمر والنهي والاستفهام لتمييزها عن الخبر.فهذه المعاني تقوم في أساسها الدلالي على مفهوم الإرادة”رحم الله زيدا ونحو ذلك فان لفظه لفظ الخبر ومعناه الطلب وإنّما كان ذلك لعلم السامع انك لا تخبر عن الله-عز وجل-وإنما تسأل” .فالدعاء سؤال الله، وهو ما ينزلّه ضمن المعاني غير الواجبة.فالطلب يقابل الخبر ويضم الاستفهام والأمر والنهي والدعاء ويتنزل ضربا من ضروب الإعراب عن جهات اعتقاد المتكلم ويقوم على إرادة انجاز فعل في الكون الخارجي وتغيير محتواه.
ما نستنتجه:
– الدعاء بمنزلة الأمر والنهي في كونه غير واجب.وهو عمل يصدر عن إرادة إنجاز فعل يقابل الخبر الصادر عن اعتقاد وجوب وجود لموجود.
– أنّ تسمية المبرد الدعاء طلبا ليس تحديدا لنوعه من مجموعة المعاني النحويّة الجهيّة.ذلك أنّ المعنى الذي أشار إليه المبرّد يختلف عن المصطلح الذي ساد البحث النحوي بعد المبرد، ومثل ضربا من ضروب الكلام المعبّرة عن جهات اعتقاد المتكلم مقابلا للخبر متماهيا مع الإنشاء.وربما يكون هذا المعنى الذي صرح به المبرد هو مرتكز النحاة لوسم الأمر والاستفهام والنهي والدعاء بمفهوم الطلب.وهو حدس خوّل لنا تنزيل هذه المعاني ضمنه معتمدين إشارات المبرد إلى كون هذه المعاني تقوم على مفهوم إرادة إنجاز فعل في الكون الخارجي.
– الدعاء معنى نحوي، وهو طلب في المعنى يتسم بالتعقيد الذي يتولّد عن عدم استقلاله ببنية عاملية مخصوصة.فهو يرد بألفاظ الخبر، ويرد بألفاظ الأمر والنهي وتضطلع به المصادر المنتصبة على إضمار الفعل المتروك إظهار.ويتولد التعقيد من كونه معنى تداوليّا يخضع لخصائص التعامل القولي أكثر من خضوعه لقوانين النحو.

4- الحروف غير الواجبة وتولّد المعاني النحوية:

ميّز المبرد في دراسة المعاني غير الواجبة بين معاني تنجز بالأفعال ومعاني تفصح عنها حروف تحتل موضع فعل المتكلم مسايرا في ذلك ما ذكره سيبويه.فالحروف نوعان:
– نوع يفيد الوجوب:إنّ وأنّ ولكن.
– نوع يفيد غير الواجب:ليت ولعلّ وكأنّ
ورغم الاختلاف الدلاليّة بين هذه الحروف، فإنها تتفق في عدة خصائص:
– مشابهة الفعل لفظا
– مشابهة الفعل المتعدي في العمل.
– تحتلّ موضع فعل المتكلم، فهي محويرات للمعنى.فيكون كل ما له صدر الكلام من الحروف معبّرا عن جهات اعتقاد المتكلم في كلامه.
تكمن أهمية موضع فعل المتكلم في توجيه المعنى لهذا كانت هذه الحروف محددة لجهات اعتقاد المتكلم في مضمون كلامه.إذ وتعتبر إنجازا للمعنى باللفظ لأنّ خلافا للحروف الواجبة تزيل الكلام عن الابتداء.وقد مثل المبرّد بقول القائل:
21- إن زيدا منطلق وعمرو.
22- ليت زيدا منطلق وعمرا .
ليبرهن أنّه يجوز في(21)رفع عمرو على الابتداء، ولكنّه لا يجوز ذلك في(22)لأنّ”ليت”حرف غير واجب يخرج الكلام عن الخبرية”فأمّا كأنّ وليت و لعل إذا قلت:
23- كأن زيدا منطلق وعمرو.
24- وليت زيدا يقوم وعبد الله.
فكل ما هو جائز في إنّ ولكن من رفع ونصب، فهو جائز في هذه الحروف إلا الحمل على موضع الابتداء، فإنّ هذه الحروف خارجة عن معنى الابتداء” إلى معاني التمني والتشبيه والرجاء.فلا يجوز عطف واجب، وهو الابتداء على غير واجب الذي تمثله هذه الحروف لذلك”قبح عندهم أن يدخلوا الواجب في موضع التمني” .فالتمني والرجاء والتشبيه(التوهم) معان مقابلة للابتداء تتنزل منزلة ما لا يجوز أن يقال لقائله إنّه صادق أو إنّه كاذب، لأنّها معاني تنجز باللغة، وفي اللغة ولا خارج لها تطلب مطابقته في أحد الأزمنة الثلاثة.

ما نستنتجه:
– تمثل هذه الحروف أمارات واسمة لفعل المتكلم العامل المحدث للمعاني النحوية، تصرف الكلام إلى وجوه عديدة من المعاني تقابل الخبر.
– تكشف دراسة المبرد لهذه الحروف وحيزات عملها مبدأ بدأ يترسخ في البحث النحوي العربي يقوم على اعتبار موضع فعل المتكلم موضعا متحكما في المضمون القضوي، معبّرا عن جهات اعتقاد المتكلم في محتوى كلامه في علاقته بحالة الأشياء في الكون الخارجي.
– التمني والرجاء والتشبيه(التوهم) معان غير واجبة تعبر عنها حروف تحتل موضع فعل المتكلم وتصرف الكلام عن الخبرية، لأنّها معاني باللغة وفي اللغة فهي تنجز معناها بلفظها.وتمثل جهات اعتقاد مختلفة كجهة التمني وجهة الرجاء وجهة التوهم.

خاتمة الفصل:
الأمر والنهي والاستفهام وما يكون بمنزلتها معان غير واجبة تقوم على إرادة انجاز عمل في الكون الخارجي.فهي معان باللغة وفي اللغة ولا خارج لها تطلب مطابقته في أحد الأزمنة الثلاثة تقابل الخبر وهو ما يجوز أنن يقال لقائله إنّه صادق أو إنّه كاذب.
أساس هذه المعاني الجهية مفهوم الإرادة الذي افترضنا أنّه أساس دلاليّ للكلام الطلبي يقابل الاعتقاد، وهو الأساس الدلالي للخبر.وفهمنا عن المبرّد اقتضاء أنّ هذه المعاني تقوم على طلب المتكلّم من المخاطب إنجاز عمل في الكون الخارجي.وميزنا بين مصطلح الطلب الذي مثل ضربا من ضروب الإعراب عن جهات الاعتقاد والمفهوم الذي ذكره المبرد في تعريفه للدعاء بأنّه طلب للمعنى.
لئن قامت معاني الأمر والنهي والاستفهام على الفعل باعتباره البؤرة الدلالية لمقولة غير الواجب أو الطلب، فإنّ من المعاني غير الواجبة ما ينجز بالحروف التي تحتل موضع فعل المتكلم كالتمني والتشبيه والرجاء وهي معان باللغة وفي اللغة ولا يجوز أن يقال لقائلها إنّه صادق أو إنّه كاذب.


إيقاع المعنى باللفظ: ضرب من ضروب الإعراب عن جهات اعتقاد المتكلم

تمهيد:

توصلنا في الفصل السابق الى ان الأمر والنهي والاستفهام معان غير واجبة تقابل الخبر وهي مقابلة أرجعناها الى العلامة الإعرابية بشيء من الاحتراز.فاستدللنا على كون الرفع مقولة دلالية لما استقر في ذهن المتكلم تشمل الخبر، وكون النصب مقولة دلالية لما لم يستقر في ذهن المتكلم وطلبه من المخاطب تثبيته، تشمل المعاني غير الواجبة.وتشمل مقولة النصب صنف آخر وسمناه ب”الإيقاع”.وهو مفهوم أخذناه من كلام المبرّد عن النداء، وما يكون بمنزلته من ندبة واستغاثة ومن تعجّب وما يكون بمنزلته.

1- النداء”إيقاع للمعنى باللفظ”وما يكون بمنزلته:

يتنزل النداء ضمن قسم المنصوبات، فالمنادى منصوب على إضمار الفعل المتروك إظهاره لوجود حرف”يا”دال عليه”اعلم أنّك إذا دعوت مضافا نصبته وانتصابه على إضمار الفعل المتروك إظهاره وذلك قولك:يا عبد الله لأنّ يا بدل من قولك أدعو عبد الله وأريد لا أنّك تخبر أنّك تفعل، ولكن بها وقع أنّك قد أوقعت فعلا.فإذا قلت عبد الله فقد وقع دعاؤك بعبد الله فانتصب على انه مفعول تعدى اليه فعلك” .
تكمن طرافة هذا النص الحدث بالنسبة لمبحث النداء في:
– اعتبار النداء إيقاع للفعل باللفظ.والمقصود بالفعل هو العمل أي المعنى.وهذا المعنى لم يصرح به سيبويه، وإنّما نجد ما يماثله عند السيرافي”فالنداء لفظ مجراه مجرى عمل يعمله عامل .وهو ما يجعل النداء مقابلا للخبر، ويقترب من حيّزات المعاني التي وسمناها ب”الطلب” لقيامه على مفهوم الإرادة رغم اختصاصه إيقاعا.
– النداء عمل يؤدى بالحرف النائب مناب الفعل “أدعو” لفظا وتقديرا وموضعه موضع فعل المتكلم، وهو بهذه الخاصية يتضمّن رائحة الإيقاع الذي نزعم أنّه الرحم الدلاليّ لمفهوم الإنشاء الذي ساد البحث النحوي بعد المبرّد واختص بقسم من أقسام الكلام المعبرة عن جهات اعتقاد المتكلم بمعية الطلب والخبر في لحظة أولى، ثم توسع البحث النحويّ ليكون مقابلا للخبر يشمل المعاني الطلبية والمعاني التي تسترسل معها مثل النداء والتعجب.
– النداء”عمل” يعبر عنه بالحرف”يا”الذي ناب الفعل المتروك إظهاره وبهذا التأويل لبنية النداء يخالف المبرد سيبويه:
تأويل سيبويه والخليل لبنية النداء:
عا×مع عا×مع
يا عبد الله.
يا/ أدعو عبد الله
تأويل المبرد لبنية النداء:
يا عبد الله
أدعو عبد الله
وقد ساد تأويل المبرد للبنية الدلالية للنداء في البحث النحوي بعده”أجاز المبرد نصب المنادى على حرف النداء لسده مسد الفعل وليس ببعيد” .
– النداء عمل سابق لموضع التأسيس في الكلام، فحقّ”النداء أن تعطف به المخاطب عليك ثم تخبره أو تأمره أو تسأله أو غير ذلك مما توقعه إليه.فهو مختص من غيره في قولك:يا زيد ويا رجال” .وهو نفس التعريف الذي ذكره سيبويه، فالنداء”أوّل الكلام أبدا النداء والمنادى مختص من بين أمته لأمرك او نهيك او خبرك” ، وهو ما يصيّره إيقاعا يكون سابقا لموضع التأسيس في الكلام.ذلك أنّ الحرف الذي يوقع به المتكلم النداء يحتل موضع فعل المتكلم.
ويضيف المبرد معنى آخر يتمثل في اعتبار النداء تصويتا وتنبيها، فهي”تنبّه بها المدعو”وحرف النداء “يا””إنّما هو زجر وتنبيه” .وهو نفس المعنى الذي صرح به سيبويه”فلما كثر وكان الأول في كل موضع حذفوا منه تخفيفا لأنهم مما يغيّرون الأكثر حتى جعلوه بمنزلة الأصوات وما أشبه الأصوات” .وبهذه يكون النداء تصويتا، وهو إيقاع للمعنى باللفظ يختلف عما جاز أن يقال لقائله إنه صادق أو إنه كاذب لأنّه عمل باللغة وفي اللغة ولا خارج له تطلب مطابقته.ويختلف عن المعاني غير الواجبة لأنّه لا يقع في موضع التأسيس، وإنّما هو عطف للمخاطب ثم تخبره وتسأله او تأمره.

– يقوم النداء على عناصر مقامية تداولية، وهو تصويت يتخذ شكل بنية إيقاعية يختلف عن سائر المعاني الواجبة والمعاني غير الواجبة ف” النداء مخالف لغيره من الألفاظ وذلك لأن الألفاظ في الأغلب إنما هي عبارات عن أشياء غيرها من الألفاظ[…]ولفظ النداء لا يعبر به عن شيء” .ولعل المقصود بالألفاظ الأبنيّة المفصحة عن المعاني غير الواجبة والمعاني الواجبة.أفلا يكون هذا دافعا لعدم تنزيل النداء ضمن جهات الاعتقاد ؟ بما أنّ النداء لا يعبّر به أي أنه لا يعبّر عن جهات اعتقاد المتكلم؟ ألا يدفعنا هذه الى إخراج الإيقاع من ضروب الإعراب عن الجهة في المقتضب؟

ترد إشارات المبرد مؤكدّة وجود استرسال وتشارط بين النداء والمعاني غير الواجبة، وذلك لقيامه على مفهوم الإرادة”أدعو عبد الله وأريد لا أنك تخبر أنك تفعل ولكن بها وقع” .فما علاقة الإيقاع بالمعاني غير الواجبة؟ما علاقته بالخبر؟نرجئ الإجابة عن هذه الأسئلة بعد دراسة المعاني التي تكون في استرسال وتشارط مع النداء مثل الاستغاثة والندبة والتعجب.
فالمستغاث منادى على وجه الاستغاثة، ويكون بإضافة اللام المفتوحة الى حرف النداء “فإذا دعوت شيئا على جهة الاستغاثة، فاللام معه مفتوحة تقول يا للناس ويا لله” .فالاستغاثة جهة من جهات الاعتقاد نعبّر بها عما هجس في النفس، فالمستغاث مدعو والدعاء أصل النداء ليقبل المخاطب عليك دون سائر أمته.

تشترك الندبة والنداء في بنية واحدة، فهي تجري مجرى النداء”وعلامته واو ويا ولا يجوز أن تحذف العلامة لأنّ الندبة لإظهار التفجع ومدّ الصوت” .فالندبة جهة من جهات التعبير عما هجس في نفسك من تفجع وأنت تمدّ الصوت كأنك تنادي مفقودا عزيزا وتظهر اللوعة والأسى.فهي إنجاز للفعل في الكون الخارجي باللغة وفي اللغة ولا خارج له تطلب مطابقته في أحد الأزمنة الثلاثة.
نلاحظ استرسالا وتشارطا بين النداء وهذه الأعمال.ولعل في اعتبار المبرد هذه المعاني جهات تعبّر عما هجس في نفس المتكلم هو ما دفعنا الى اعتبارها تتنزل – مبدئيا- ضمن ما يعبّر عن جهات اعتقاد المتكلم.ينضاف إلى ذلك كونها معاني تنجز في الكون الخارجي باللفظ وتتضمن إرادة تغيير حالة الأشياء في الكون الخارجي.فهي في هذا المستوى تختلف عن المعاني غير الواجبة.

2-التعجب إيقاع للمعنى باللفظ:

إنّ مرجع اعتبار التعجّب إيقاعا تصريح المبرد بذلك”ما أكثر هيبتك الدنانير وإطعامك المسكين[…]كنت قد أوقعت التعجب” لكنّه يختلف عن النداء في استقلاله بباب بمفرده في المقتضب من ناحية، ووسمه بمصطلح ” التعجب “من ناحية أخرى.وقد درسه المبرد ضمن باب إسناد الفعل وما يجري مجراه”الفعل الذي يتعدى الى مفعول وفاعله مبهم ولا يتصرّف تصرّف غيره من الأفعال، ويلزم طريقة واحدة لأنّ المعنى لزمه على ذلك وهو باب التعجب” متجاوزا تعريف سيبويه”ما يعمل عمل الفعل ولم يجر مجرى الفعل ولم يتمكن تمكنه” نحو مزيد من التقعيد والدقة في التحليل والشمولية في الوصف.
ما نلاحظه انطلاقا من تعريف التعجب عند المبرد وسيبويه أنّ التعجب عمل له الخصائص التركيبية والدلالية التاليّة:
– لم يتمكن تمكن الفعل.
– لم يجر مجرى الفعل.
– فاعله مبهم.
– لا يتصرف تصرف غيره.
– يلزم طريقة واحدة.
– هو التعجب.
يولّد التعجب عدة مشاكل نظريّة وإجرائيّة نظرا لصعوبات إخضاع للقواعد المؤسسة للعمل النحويّ.رغم أن المبرد كان أكثر تصريحا من صاحب الكتاب، فوضع لهذا الصنف من المعاني مصطلحا ساد البحث النحويّ، بل إنّه ميّزه عن سائر المعاني النحوية الجهيّة الواجبة وغير الواجبة.فصرح بكونه إيقاعا، وهو ما ينزله مع النداء في كونهما إيقاعا للمعنى باللفظ
حدّد المبرد في دراسته للتعجب أصلا من الأصول النظرية لتولد المعاني من الأبنية النحوية المخصوصة، وهو ” كل ما لزمه شيء على معنى لم يتصرف لأنه ان تصرف بطل ذلك المعنى وصار بمنزلة الأفعال التي تجري ولم يدخلها من المعنى اثر من ذلك” .ولعل في هذا الشاهد إشارة الى أنّ معنى التعجب تختص به أبنية نحوية مخصوصة لزمت طريقة واحدة لا تخرج عنها.
إذا كان ذلك، كان التعجب معنى نحويّا وضعيّا لبنية نحوية”مسكوكة”.وتكشف ملاحظات المبرد ما سمّي حديثا”آلية الاستلزام”التي بناء عليها يدخل معنى التعجب أبنية نحوية مخصوصة دون أخرى” .وذلك نحو قولك:”ما أحسن زيدا وما أكرم عبد الله ف”ما”اسم مرتفع بالابتداء وأحسن خبره وهو فعل وزيد مفعول به تقديره:شيء أحسن زيدا الا ان معنى التعجب دخله مع ” ما” ولا يكون ذلك في شيء غير ما” .
ما نلاحظه:
– يتفق المبرد مع سيبويه والخليل في تأويل بنية التعجب :
24- ما أحسن زيدا .
مبتدأ خبر:مركب إسنادي فعلي
عا مع
يقحم هذا التمثيل التعجب ضمن بنية نحوية خبريّة فقولك:
25- ما أحسن زيدا.
معناه شيء أحسن زيدا، وهو تمثيل لا يتكلم به.ولكن اعتبار البنية التي تفصح عن معنى التعجب بنية خبرية يضعنا صعوبة تصنيف معنى التعجب، فهل هو خبر؟أم أنّ ذلك تمثيل لا يأخذ به وأن معنى التعجب يتنزل منزلة ما افترضنا أنّه إيقاع؟
يشير المبرد الى أن التعجّب معنى طارئ على البنية النحوية الخبرية”معنى التعجب دخله مع “ما”ولا يكون ذلك في شيء غير ما” .فالعنصر “ما” هو الذي أخرج الكلام من الخبرية الى إيقاع معنى التعجب باعتباره معنى يتولد عن بنية خبرية محايدة طرأ عليها توتر بدخول العنصر المعجمي الماهوي بلغة الشريف.

يفيد العنصر الإبهام ولا يتخصّص بمعنى معيّن، وإنّما تطوف به راحلة الحال بين الاستفهام والنفي والتعجب والجزاء.وهذه الحركة هي التي تسمه بالإبهام.ويرجع التمييز إلى البنية النحوية ومستويات تحليلها”فالمعنى من الإبهام الذي يكون في الجزاء والاستفهام وكذلك التعجب” .أفلا تكون المشابهة التي أقامها المبرد بين الإبهام المولد للجزاء والاستفهام و الإبهام المولد للتعجب إقرار بأنّ التعجب أمر لم يستقر وقوعه في تصوّر المتكلم، وهو يطلب إيقاعه، لذلك يتعجب، ويكون بذلك معنى في اللغة وباللغة ولا خارج له تطلب مطابقته في أحد الأزمنة الثلاثة؟

لكن إيقاع التعجب لا يقتصر على وجود هذه الحرف في صدارة البنية، وإنّما يطلّب شروطا حددها المبرد في عدم التصرّف في التركيب.فالبنية”ما أفعله” طراز مقولة الإيقاع في التعجب، فإنْ تصرف المتكلّم فيها بالتقديم والتأخير أو الحذف زال عنها معنى التعجب، وربما دخلها معنى آخر.لذلك لا يجوز أن تقدم أو تؤخر”ما”، فهي قيد تركيبي، ف” كل ما لزمه شيء على معنى لم يتصرّف لأنّه إنْ تصرّف بطل ذلك المعنى” .فالبنية النحويّة التي تفصح عن معنى التعجب مسجلة في النظام النحوي لإفادة هذا المعنى.فهذه البنية هيئة أو قالب نحويّ وضعيّ للتعجب لأنّ”معنى التعجب دخل على هيئة ان زال لفظها زال المعنى” ويكون سبب التعجب أنّ الشيء أذا أبهم أثار انفعالا داخليّا تسكن إليه النفس أو تحار من سببه مما يجعل المتكلّم متعجبا تجاه ما يحدث.وعدم التصرف في البنية هو شرط نحويّ لأنّ أي تصرف يزيل المعنى.

إذا كان كذلك كان التعجب عملا لا يتحقّق إلا بتوفّر الشروط التاليّة:
– الإبهام الحاصل في العنصر “ما” المتصدر للبنية، وما يتضمنه هذا الموضع من رائحة إيقاع المعنى باللفظ ينضاف إلى ذلك أنّ الإبهام يفيد معنى عدم استقرار وجود الشيء في ذهن المتكلم.فهو يتعجّب من أمر يجهله ومبهم عنده.ونلاحظ علاقة معنى الجهل بالإبهام والتنكير، فهي صفات تسم العنصر “ما”.واحتلال هذا العنصر لمحل المبتدإ، وما يشترطه هذا المحل من وجوب التعريف انتهى بالنحاة بعد المبرد الى تعريف التعجب بأنه إيقاع أو إنشاء جزؤه الخبر.
– عدم التصرّف يشمل البنية النحوية، فلا نتصرّف فيها بالتقديم والتأخير أو الحذف لأنّ ذلك يزيل معنى التعجب، ويجعل البنية مفتوحة لدخول معان أخرى، ويشمل صيغة الفعل، فلا تقول”ما يحسن زيدا”لأنّ من خصائص هذا الفعل عدم التمكن وأنّه يلزم طريقة واحدة تقربه من الأسماء.فكأن صيغة الفعل علميّة على التعجب، ودخول هذه الفعل حيز التمام الذي يسم الاسم كان نتيجة عدم التصرف.وهو ما صيّره بنية نحوية مسكوكة معبّرة عن التعجّب.

– يورد المبرد شرطا أخر للتعجب في قوله”ما أكثر هيبتك الدنانير وإطعامك المساكين[…]كنت قد أوقعت التعجب[…]لأنّ قصد التعجب الكثرة فإذا تؤول على القلة فقد زال معنى التعجب” وهو شرط مقامي تداولي، فقصد التعجب الكثرة.فالتعجب معنى قصديّ يراد به إيقاع المعنى اعتمادا على ما توفره اللغة من إمكانيات تركيبيّة وإعرابيّة.ويقصد به قصد نية هجست في نفس المتكلم مما أبهم وخفي سببه.

نلاحظ ايضا أنّ:
– التعجب إيقاع للمعنى باللفظ بواسطة الحرف الذي يحتل موضع فعل المتكلم ويصرف الكلام عن الخبرية بما يتضمنه من ابهام وتنكير وبما يتضمنه هذا الموضع من خاصية الإيقاع فالأصل في الإيقاع للحرف والفعل فرع عليه في ذلك.
– التعجب إيقاع يتنزل منزلة النداء، ويختلف عما جاز أن يقال لقائله إنّه صادق أو إنّه كاذب، ويختلف عما لا يجوز أن يقال لقائه إنّه صادق أو إنّه كاذب، وهو غير الواجب أو الطلب، وإنّما أنت موقع للمعنى باللفظ.لكن التعجب شأنه شأن النداء يتراسل ويتشارط مع المعاني غير الواجبة في قيامه على مفهوم إرادة إيقاع معنى:وإنّما جاز أن يوقع التعجب عليه وهو يريد فعله” .
– التعجب انفعال يطرأ على الإنسان نتيجة أمر يجهل سببه.ولئن لم يصرح المبرد بهذا المعنى، فإننا نفهم عنه اقتضاء أنّه إيقاع لمعنى سكن في النفس نتيجة الدهشة والحيرة والإبهام من كثرة الشيء.وهو معنى صرح به الاستراباذي”اعلم ان التعجب انفعال يعرض للنفس عند الشعور بأمر يخفى سببه” .لذا كان الأساس الدلالي للتعجب الإبهام.ومعناه عدم استقرار الأمر في ذهن المتكلم.
خاتمة الباب:الإيقاع ضرب من ضروب الإعراب عن جهات اعتقاد المتكلم؟

التساؤل عن مراتب الإيقاع في منازل الإعراب عن جهات اعتقاد المتكلم في المقتضب مبرره الحيرة المعرفية والمنهجية التي نتجت عن قراءة مقاربة المبرد لكل من النداء والتعجب وسكوته عن وسمهما بالواجب، وهو الخبر أو بغير الواجب وهو الطلب.وهو ما استدعى مزيد البحث عن التبويب المنهجيّ لكل منهما تمهيدا للإجابة عن السؤال المركزي:هل الإيقاع جهة من جهات اعتقاد المتكلم في كلامه؟
أ‌- صعوبات تصنيف النداء والتعجب:

قرر المبرد في دراسته لكل من النداء والتعجب أنهما ايقاع وفهمنا عنه أن الإيقاع إيجاد وإنجاز للمعنى باللفظ يختلف عن سائر المعاني باعتباره عملا باللغة، وفي اللغة.فالنداء عنده إيقاع للمعنى باللفظ والتعجب إيقاع للمعنى باللفظ.غير أنّ حدسا يقودنا الى فصل قوي في تصور المبرد بين النداء والتعجب.

إذا كان النداء بنية نحوية خاصة تختلف عن سائر الأبنية المنجزة، لكنّها ترتد في قوانين حركتها الى بنية نحوية مجردة متكونة من [عا ×مع].ويكون العامل هو حرف النداء “يا”الذي يوقع المتكلم بواسطته النداء فيلفت انتباه المخاطب لإخباره او لأمره او لاستخباره أو نهيه.لذلك ذهبنا إلى أنّ النداء”عمل”يخرج عن حيزات التأسيس في الكلام، وهو مذهب كل من سيبويه والمبرد.
على أنّنا لاحظنا أنّ حديث المبرد عن النداء قد ارتبط بحديثه عن الإرادة:إرادة المتكلم إيقاع المعنى باللفظ، ف”يا”بدل من قولك أدعو عبد الله وأريد” .فالنداء”عمل”ينتج عن إرادة إيقاع المعنى باللفظ، وهو يختلف عن التعجب والخبر ويسترسل مع المعاني غير الواجبة في قيامها على إرادة إنجاز عمل في الكون الخارجي.

بهذا ينفصل النداء عن التعجب عملا طلبيّا لا يرتبط بالإرادة وإنّما يرتبط بمفهوم الإبهام، وهو مفهوم نفسي يتجاور مع مفهوم الدهشة.فالشيء إذا أدهش، وأبهم، وخفي سببه أثار العجب وولد في النفس انفعالا تتعدد درجاته دون ان يكون له وجود في الكون الخارجي فقول القائل:
26- ما أجمل زيدا.
إيقاع الفعل المعين لجهة التعجب.وبهذا يكون التعجب انفعال يعرض للنفس من أمر عجيب حدث أو يحدث وهو ما لا يمكن الحكم عليه بالصدق أو الكذب.فالتعجب”مما وقع وثبت وليس مما يمكن أن يكون ويمكن ألاّ يكون” .فما يحتمل التصديق والتكذيب هو جمال زيد لا إيقاع فعل التعجب.
نشير الى ان المبرد وإنْ تحدث عن الإبهام والكثرة والتوقع، فإنّه لم يصرح كون التعجب انفعالا، وإنّما أشار الى أنه إيقاع”كنت قد أوقعت التعجب[…]لأنّ قصد التعجب الكثرة، فإذا تؤول على القلة فقد زال معنى التعجب” .وبهذا يكون التعجب قصدا.لكن مفهوم القصد عند المبرد مفهوم يشوبه غموض ذلك أنّه وإنْ ارتبط حديث المبرّد عن القصد بإيقاع عمل التعجب وأراد به المراد والغرض، فإنّنا نزعم أنّ كل إنشاء نحويّ للبنية قصد ما يتوزع بين قصد الإخبار أو قصد إنجاز فعل في الكون الخارجي.ويرتبط مفهوم القصد بالتصور والاعتقاد.
إذا كان ذلك، كان التعجب إيقاعا للانفعال، وهو يختلف عن الخبر وينفصل عن النداء والمعاني الطلبية، ويتخصص إيقاعا انفعاليا مولدا عن القصد.وأرجعنا تولّد الإيقاع إلى العنصر المعجمي”ما”الذي يسترسل بين محل الإنشاء ومحل الإحالة ويتضمن رائحة ايقاع المعنى باللفظ.
لكن ما هو مفهوم الإيقاع؟ هل هو الانجاز النحويّ للبنية؟أم أنّه الإنجاز البلاغي؟

ب‌- الايقاع النحويّ والإيقاع البلاغيّ:

يتخذ لفظ الإيقاع في المقتضب دلالات متنوعة، فالنداء إيقاع والتعجب إيقاع عند المبرّد وذهبنا إلى أنّ المعنى البسيط للإيقاع هو الإيجاد والإنجاز للمعنى باللفظ.وبناء على ذلك ميّز صاحب المقتضب بين النداء و التعجب والواجب من ناحية وبينهما وبين غير واجب من ناحية أخرى.ولو كان الأمر هكذا لسلمنا بأنّ مقصود المبرّد ب”الإيقاع”هو إيجاد المعنى باللفظ.وهو ضرب من المعاني يقابل الخبر ويتراسل مع المعاني غير الواجبة.لكنّ يبدو أنّ الأمر أعمق من ذلك، فلفظ الإيقاع يتواتر استخدامه في مواضع الأمر والنهي والاستفهام والخبر وهنا نقع في إشكال اصطلاحي يستوجب البحث عن المقصود بالإيقاع.فهل هو الإيقاع النحويّ، فيكون كل إنجاز نحويّ للبنية إيقاعا؟ أم أنّه إيقاع بلاغي يمثل رحما دلاليّا لتولد مفهوم الإنشاء في البحث النحويّ البلاغيّ؟ثم هل يناقض القول بالإيقاع النحويّ القول بالإيقاع البلاغيّ؟

لئن بدا استخدام المبرد للفظ الإيقاع بمعناه البلاغيّ تخصيص النداء بكونه إيقاعا للمعنى باللفظ، وبمقتضى ذلك يكون النداء”عملا”يوقع معناه بلفظه، ولا خارج له تطلب مطابقته في أحد الأزمنة الثلاثة، لأنّه عمل باللغة وفي اللغة، فإنّ الوعي بالمنطلقات الإعرابية التي تتحكم في تصور المبرّد، وهي منطلقات أساسها أنّ كل إنشاء نحويّ للبنية من قبل المتكلم هو إيقاع للمعنى، يجعل الإيقاع عنده إيقاعا نحويّا”يقال على ما هو فعل المتكلم أعني إلقاء مثل هذا الكلام كما أنّ الأخبار كذلك” .ونتيجة ذلك يكون الخبر إيقاعا نحويّا، ويكون غير الواجب إيقاعا نحويّا.ويتحوّل مفهوم الإيقاع إلى كونه إنشاء المتكلم للبنية [عا×مع]وتصريفها في المقامات ليعبر بها عن مقاصده و أغراضه.
إذا كان ذلك، كان الإيقاع النحويّ إنشاء البنية النحوية، وكان المتكلم هو الموقع للأبنية ليعبّر بها عما هجس في نفسه وسكن ذهنه في علاقته بحالة الأشياء في الكون الخارجي وفي علاقته بالمخاطب.وهي عبارة عن معان نحوية واجبة وهي الخبر، ومعاني نحوية غير واجبة وهي الأمر والنهي والاستفهام، والمعاني التي وسمها المبرد بالإيقاع.وبهذا الانتقال من المفهوم اللغوي البسيط إلى مفهوم أعمق يتحوّل الإيقاع إلى إنشاء نحويّ للبنية يشمل”الإنشاء والخبر البلاغيين معا” .وبهذا التأويل لا تناقض بين الإيقاع النحويّ والإيقاع البلاغي إذ يكون الإيقاع البلاغي في النداء والتعجب وسما لفظيّا للإيقاع النحويّ.

لكن الضرورة المنهجية التي تتطلب الوصف والتفسير الدقيقين للظواهر النحوية تدفع بنا الى ضرورة الفصل بين الإيقاع النحويّ والإيقاع المقصود في عملي النداء و التعجب.فلئن كان حدّ المبرّد للخبر من جهة الصدق والكذب حدّ خصّ الخبر فقط، وإنْ تضمن اقتضاء تمييزه عن غير الواجب وعن الإيقاع، فإنّ المبرد وسم النداء والتعجب بكونهما إيقاعا.فالمقابلة راسخة في المقتضب بين الخبر وغير الواجب من ناحية وبينهما وبين الإيقاع من ناحية ثانية في كون الخبر ما جاز أن يقال لقائله إنّه صادق أو إنّه كاذب، وكون غير الواجب هو ما لا يجوز أن يقال لقائله إنّه صادق أو إنّه كاذب لأنّه عمل باللغة وفي اللغة.

لكن من جهة أخرى تخفي هذه المقابلة مقابلة أخرى بين غير الواجب، وهو الطلب وبين الإيقاع في التعجب، وهو إيقاع انفعاليّ.ولئن كان أمر اعتبار غير الواجب إعرابا عن جهات اعتقاد المتكلم واضحا، فإنّ الغموض متعلق باعتبار الإيقاع جهة من جهات اعتقاد المتكلم.
لما كانت الألفاظ تنوب عن سابق في الذهن والنفس، ولما كان الإيقاع البلاغيّ في النداء والتعجب وسم لفظي إنجازيّ للبينة النحوية.كان الإيقاع البلاغي جهة من جهات الاعتقاد الإمكاني لكونه إيجاد للمعنى باللفظ.وهذا الإيجاد يتضمن موقف المتكلم في علاقة ما هجس في نفسه وفكره بحالة الأشياء في الكون الخارجي.وبذلك يكون النداء جهة، والتعجب جهة.

خاتمة البحث:

توصلنا في الأبواب السابقة من البحث الى تعريف الجهة بكونها “كل ما يعبّر عن رأي المتكلم ويحدّد مواقفه الذهنية والنفسية والإرادية من مضمون كلامه في علاقته بحالة الأشياء في الكون الخارجي.وهو تعريف كان نتيجة قراءة وصفية في الدراسات اللسانية الحديثة والبحوث الفلسفية والمنطقية التي استفدنا منها في إثارة عديد القضايا المتصلة بجهات الاعتقاد.
لكن المزالق التي وقع فيها الدرس اللساني الحديث نتيجة مقاربته للجهة مقاربة معجمية عمقت الهوة بين اللفظ والمعنى دفعتنا الى تعديل مفهوم الجهة.وهو تعديل خضع إلى رؤية نحويّة إعرابيّة تنزل الجهة مقولة نحوية إعرابية لا وجود لها خارج التشكل النحوي الدلالي للبنية.
بمقتضى ذلك التعديل كانت جهات الاعتقاد كلّ ما يعبر عن موقف المتكلم الذهني والنفسية في إدراكه لجهة تعلّق مضمون كلامه بالكون الخارجي على سبيل المطابقة أو عدمها.

وهو تعديل دفعنا إلى دراسة الجهة في علاقته بمفاهيم أخرى مثل المظهر والعمل اللغويّ.وهو تعديل مكنّنا من ربط جهات المتكلم بمفهوم الاعتقاد الذي أولاه نحاتنا مكانة أساسيّة في تحليل معاني الكلام.الاعتقاد عندهم مفهوم يتحكم في المتكلم الذي ينشيء الأبنية ليعبر بها عن مقاصده وأغراضه.وهو مفهوم سابق في الذهن والنفس، وتكون الألفاظ وما يعتورها من حركات معاني.
زعمنا أن دراسة نحاتنا للأبنية النحوية المجردة وطرائق تولد الأبنية النحوية المنجزة التي تتكهن بالمعاني النحوية خبرا كان أو طلبا أو إنشاء هي دراسة لجهات الاعتقاد.ولئن اعتبر الفكر اللساني في دراسته للجهة والعمل اللغوي أن المبحث غير المبحث وإن تشابها، فإنّ الأمر يبدو مختلفا عند النحاة.فالمعاني النحوية تعبير عن مواقف المتكلم النفسية والذهنية والإرادية في علاقته بحالة الأشياء في الكون الخارجي.

بناء على ذلك قدّرنا أنّ الجهة مقولة نحوية إعرابية لا وجود لها خارج التركيب.فالواجب وغير الواجب منذ سيبويه تفريع لجهات اعتقاد المتكلم تفصح عنها أبنية نحوية مولدة عن شحن وجودية وجوبية بكيفية كانت جهات اعتقاد المتكلم تجريدا للمعاني النحوية، وكانت المعاني النحوية وسما وتخصيصا وتعيينا للجهة.

بناء على ذلك عرّفنا الجهة من منطلق إعراب نحويّ ينزلها في البنية النحوية المجردة التي تتحكم في تولد القيم الشحنيّة:الوجوب والإمكان، وتتحكم في مستوى الإنجاز في البنية النحوية المفصحة عن المعاني.وذهبنا بناء على ذلك إلى أنّ المستوى المجرد اختزال لجهات الاعتقاد أو ما عبر عنه نحاتنا بالاعتقاد.وهو مفهوم يتخصص لدى حركية البنية العاملية والتخصصية اعتقاد إثبات، وهو ما يولد الخبر وهو الواجب واعتقاد إمكان وهو ما يولد غير الواجب.

إذا كان ذلك، كان الواجب هو الثابت المستقر في التصور والاعتقاد دون أن يكون لذلك علاقة بحالة الأشياء في الكون الخارجي.وكان غير الواجب هو ما لم يستقر، ولم يقع في الاعتقاد والتصور.والواجب وغير الواجب مفهومان معبّران عن جهات اعتقاد المتكلم في كلامه في علاقته بحالة الأشياء في الكون الخارجي.

استنتجنا أنّ جهات اعتقاد المتكلم مقولة بنيوية إعرابية وتعني كل ما يعبّر عن مواقف المتكلم النفسية والذهنية والإرادية من كلامه في علاقته بحالة الأشياء في الكون الخارجي على سبيل المطابقة أو عدمها.تفرّع عند نحاتنا إلى:
أ‌- جهات الوجوب: وهي جهات الإثبات وجهات النفي وجهات التوكيد، وهي ما يجوز أن يقال لقائلها إنه صادق أو إنه كاذب حسب مقياس المطابقة أو عدمه للكون الخارجي.
ب‌- جهات الإمكان وتنقسم إلى:
– جهات إيقاعية طلبية تعبّر عنها معاني نحوية إيقاعية طلبية، كالأمر والنهي والاستفهام والنداء وما يكون بمنزلتها.
– جهات إيقاعية انفعالية، ويعبّر عنها معنى التعجب.
ترسخت الجهة في النظرية النحوية الإعرابية مفهوما لا مصطلحا من خلال دراسة المسائل الإعرابية.وارتبطت بمبحث الإعراب والعمل، فكانت مقولة نحوية بنيوية لا وجود لها خارج البنية النحوية.وبناء على ذلك كانت المعاني النحوية معاني جهيّة، فالخبر جهة والأمر جهة والاستفهام جهة…وتكون الجهة مسجلة في المستوى النحوي المجرد وتكون مسؤولة عن تشكل المعاني النحوية الجهيّة في المستوى النحوي الإنجازيّ.
نمثّل لجهات اعتقاد المتكلّم في المقتضب بالمشجّر التالي:

الخبر الابتدائي
الواجب(الخبر) الخبر الطلبي
الخبر المؤكد
الأمر والنهي
جهات الاعتقاد التحذير والإغراء
إيقاع الطلب الجزاء
التمني والعرض
غير الواجب والتحضيض
النداء
الاستفهام
إيقاع الانفعال التعجّب
المدح والذمّ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر:

– المبرّد (أبو العباس محمد)، (1963)، المقتضب، تحقيق محمد عبد الخالق عضيمة، بيروت، عالم الكتب.
المراجع باللغة العربية:
– الأستراباذي (رضي الدين)، (1978)، شرح الرضي عن الكافية، تحقيق يوسف حسن عمر، منشورات جامعة قار يونس.
– الأمدي (سيف الدين). (1983): الأحكام في أصول الأحكام، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان
– ابن جني (أبو الفتح)، الخصائص، تحقيق محمد علي النجار، دار الكتاب العربي، بيروت لبنان (د.ت)
– ابن السراج (أبو بكر محمد)، (1988) الأصول في النحو، تحقيق عبد الحسين الفتلي، مؤسسة الأعظمي، بغداد.
– ابن سينا (أبو علي الحسين ابن عبد الله)(2012)، الإشارات والتنبيهات.شرح: نصير الدين الطوسي تحقيق: الدكتور سليمان دنيا الناشر: دار المعارف الطبعة: الثالثة.
– ابن سينا (1952)”كتاب الشفاء”،ت الأب قنواتي ومحمود الخضيري وفؤاد الإهواني،نشر المعارف العمومية.
– ابن فارس (أبو الحسين أحمد)، (1963)، الصاحبي في قصة اللغة وسنن العرب في كلامها، تحقيق مصطفى الشويمي، بيروت.
– ابن منظور (أبو الفضل جمال الدين)، (2000)، لسان العرب، دار صادر بيروت لبنان الطبعة الأولى.
– ابن هشام الأنصاري: مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، دار إحياء التراث العربي(د ت).
– ابن يعيش (موقف الدين)، شرح المفصّل، إدارة الطباعة المنيرية بمصر شارع الكواكب.
– ابن رشد، (1986)، تلخيص كتاب العبارة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة.
– ابن منظور(أبو الفضل جمال الدين)،(د،ت)”لسان العرب” ،دار الكتاب العربي، بيروت-لبنان.
– بلانشي (روبير)، المنطق وتاريخه من أرسطو حتى راسل، ترجمة خليل أحمد خليل، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، لبنان.
– التفتازاني (سعد الدين)، المطوّل على تلخيص المعاني، القاهرة.
– التهانوي (محمد علي بن علي)، (1994) كشّاف اصطلاحات الفنون، تحقيق علي دحروج، مكتبة لبنان ناشرون.
– الجرجاني (عبد القاهر)، (1982)، دلائل الإعجاز في علم المعاني، تحقيق محمد عبده ومحمد رشيد رضا، دار المعرفة، بيروت لبنان.
– حسّان (تمّام)، (1998)، اللغة العربية معناها ومبناها، نشر وتوزيع عالم الكتب القاهرة.
– حسّان (تمّام)،(1979)، مناهج البحث اللغة، الدار البيضاء.
– خليل (خليل أحمد)، (1996)، موسوعة لالاند الفلسفية، المجلّد الثاني، منشورات عويدات، بيروت، مقال “جهة، كيفية، كيف “Modalité / Modality .
– سيبويه، (1988)، الكتاب، تحقيق وشرح عبد السلام محمد هارون، القاهرة، الطبعة الثالثة.
– الشريف (محمد صلاح الدين)،(2002)، الشرط والإنشاء النحوي للكون، جامعة منوبة، منشورات الأداب، منوبة، سلسلة الإنسانيات، المجلّد 16، تونس.
– عاشور(المنصف)،(1999)، ظاهرة الاسم في التفكير النحوي: بحث في مقولة الاسمية بين التمام والنقصان، منشورات كلية الآداب، منوبة.
– غاليم (محمد), (1987), التوليد الدلالي في البلاغة والمعجم, الدار البيضاء.
– الفارابي(أبو نصر), (1976), كتاب في المنطق, الخطابة, تحقيق سليم سالم, الهيئة المصرية العامة للكتاب
– الفارابي (أبو نصر), (1990), كتاب الحروف,تحقيق محسن مهدي ,دار المشرق بيروت لبنان.
– الفهري (الفاسي عبد القادر),(1986),البناء الموازي, نظرية في بناء الجملة وبناء الكلمة,دار توبقال للنشر,الدار البيضاء,الطبعة الأولى.
– القزويني (الخطيب)، التلخيص في علوم البلاغة، دار الفكر العربي (د .ت).
– منصور (عبد المجيد)، (1982)، علم اللغة النفسي، الرياض جامعة سعود، عمادة المكتبات.
– المبخوت (شكري)، (2001)، عمل النفي وخصائصه الدلالية في العربية، بحث لنيل شهادة الدكتوراه دولة في اللغة العربية وآدابها، جامعة منوبة، كلية الآداب منوبة، تونس.
– مجاهد (مجاهد عبد المنعم)، (1986)، الموسوعة الفلسفية العربية، معهد الإنماء العربي، مقال جهة Mode / Mood .
– ميلاد (خالد)، (2001)، الإنشاء بين التركيب والدلالة دراسة نحوية تداولية،ضمن سلسلة لسانيات، المجلّد 15، جامعة منوبة، كلية الآداب منوبة، المؤسسة العربية للتوزيع، تونس.
– مجموعة من الدكاترة،(1996)،موسوعة مصطلحات علم المنطق عند العرب ،مكتبة لبنان،ناشرون، الطبعة الأولى.
المراجع باللغتين الفرنسية والانجليزية:
– Asher (R), The Encyclopédie dia of language and linguistics V.9,
University of Edi, UK coordinating, editor J.M.Y
– Austin (J.L), (1970), Quand dire c’est faire, Paris, ED, du Seuil
– Benveniste (Emil), (1995), problèmes de linguistique génèrale II Edi céres-Edi. Gallemard.
– Bally (CH), linguistique génèrale et linguistique française.
– Bannour Abderrazek K. (1979) semi Auxilliaires et Auxilliaires Modaux, certificat Di Aptitude a la recherche Faculte de lettres de Tunisie.
– Paskal (I), (1995), Enyclopidia, universatis, cor, 15 Ed. Paris.SA
– Buburuzan, (R),(1993), Exclamation et actes de langage chez SIBAWAY, In Revue Romaine de linguistique, T.XXX V III
– Dubois, dictionnaire linguistique,1973.
– Catherine Kerbrat-Orecchioni, (1991), « la question », Pub, de L’U.R.A, Presses universitaires de lyon.
– Catherine Kerbrat-Orecchioni,( 1992) » Les interactions verbales » , tome II, Paris, A. Colin.
– Le Querleur (N), (1996), Typologie de Modalité, Press universitaires de Cean France.
– Lyons (john), (1980), sémantique linguistique, trad, française ; Larousse.
– Moschler (J), et Reboul (A), (1994), dictionnaire Encyclopédique pragmatique, Ed. Seuil.
– Roulet(Ed), (1981), modalité et illocution, les actes de discours pouvoir et devoir dans les actes de permission et requite.
– Searle (j), (1972), les actes de langages, Essai de philosophie du langage, Paris collection savoir Hermann.

لطفي الشيباني

لطفي الشيباني: باحث تونسي المعهد العالي للعلوم الإنسانية بتونس، حاصل على الماجستير في اللسانيات التداولية حول "الأعمال اللغوية". أنهيت دكتوراه دولة في "اللسانيات التداولية والعرفانية" موضوعُها "ضمنيات القول".

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى