لسانيات
أخر الأخبار

نظرية الأنحاء التوليدية التحويلية: النشأة والتطور

تأصلت نظرية الأنحاء التوليدية التحويلية مع تشومسكي (1957) الذي انطلق من تبني مفهوم الإبداع creativity كما حدده هامبولدت، و من تطوير مفهوم التحويل الذي اقتبسه من هاريس، ليحدث قطيعة مع الفهم الآلي للظاهرة اللغوية. هذا الفهم عرف أبرز تجلياته في أمريكا لدى

التوزيعية. يقول هاريس (1951 : 5):
“إن العلاقة الوحيدة التي ستقبل باعتبارها واردة في الدراسة الراهنة هي توزيع أو ترتيب بعض الأجزاء أو المظاهر بالقياس مع بعضها البعض داخل مجرى الكلام.” 

يوضح هذا النص أن أسس التحليل التوزيعي، كما ظهرت؛ ناضجة عند بلومفيلد (1933) و هاريس و وويلز، و كما فرضها واقع المعطيات انبنت على تقطيع السلسلات الكلامية إلى مكونات مباشرة. اعتمد هذا التقطيع المواقع التي تشغلها هذه المكونات في الجمل. بذا تحدد توزيع العنصر بكونه مجموع محيطاته، أي مجمل المواقع التي يحتلها داخل المتن المدروس.

يفرض مفهوم التوزيع، بهذا المعنى، النظر إلى العنصر لا باعتباره وحدة مستقلة بل باعتباره وحدة تقيم انطلاقا من موقعها علاقة ورود أو علاقة توارد.

بهذا تعكس التوزيعية المشترك بين التحاليل البنيوية و المتلخص في دراسة النسق اللغوي اعتمادا على مفهوم التقسيم و مفهوم الترابطات التي تظهر في مستويين:
مستوى العلاقات المركبية التي تتأسس عبر الامتداد الخطي.
مستوى العلاقات الجدولية التي تتأسس عبر سلسلة من التداعيات.

ارتكازا على هذا الفهم، وضعت التوزيعية منهجا في التحليل عرف ب”التحليل إلى المكونات المباشرة” و هو ما نعته تشومسكي ب” نموذج البنية المركبية “.

عموما، اعتمد هذا النموذج تحليل الجمل بطريقة تآلفية، أي بالتدرج من الحد الأصغر إلى الحد الأكبر أو من الحد الأكبر إلى الحد الأصغر.

وضح تشومسكي (1957) قصور هذا النموذج. يعكس هذا القصورعجز البنيوية عموما، و البنيوية الأمريكية على وجه الخصوص، عن تجاوز الاهتمام بالشواذ إلى سبر ما هو كلي و ما هو مطرد في عملية إنتاج اللغة.

ينبع هذا العجز من الوقوف عند مستوى المتن دون تخطيه إلى البحث عن الإواليات التي أنجزت ما يحتويه و ما لا يحتويه من الجمل اللامنتهية، لذا سجل التحليل التوزيعي ضعفه النظري، و قد تجسد هذا الضعف بالخصوص – حسب كوفكس (1977 : 217) في :

“التصور الخطي للبنية اللغوية و تتبيث قيمة و معنى و وظيفة العناصر على أساس التوزيع وحده. “لهذا يحكم كوفكس على هذا التحليل بأنه: “يتناقض و تعقد البنية اللغوية، لأنه اقتصر على فحص تعالقات البنية السطحية وعجز عن فهم تعالقات البنية الأعمق والأعقد”.

بوقوف التحليل التوزيعي عند المستوى السطحي فقط، و الاقتصار على الوصف فقط يكون قد أنتج شروط نفيه. أصبح هذا النفي ممكنا مع تشومسكي، الذي ألح على الضرورة العملية و النظرية التي تطرحها مسألة تجاوز النموذج لمركبي، محدثا بذلك قطيعة ابستيمية بما تتضمنه من طرح لسلبيات هذا النموذج و الاحتفاظ بايجابياته مع تطعيمها بمفاهيم جديدة.

شكلت هذه المفاهيم الجهاز المفاهيمي للنظرية التوليدية التحويلية. كما أدرج تشومسكي مكونا أساسيا هو المكون التحويلي، الذي أوجد إدماجه في النموذج المركبي حلولا للكثير من المشاكل، كما مكن من التنبؤ بالتعالقات القائمة بين الجمل.

إذن أنجز نموذج 1957 الخطوة الأولى في طريق بناء نظرية الأنحاء التوليدية التحويلية بتشديده على أن النحو هو إوالية تقوم بدور إنتاج الجمل في لغة خاصة و بإدراجه للتحويل، و تخصيص وظيفته في إعادة ترتيب أو حذف أو زيادة أو استبدال عناصر متواليات البنية العميقة، و بتركيزه على الطابع الإبداعي للغة الذي يكمن في إنتاج ما لا حصر له من الجمل مع التمكن من إصدار حكم حول نحويتها أو لا نحويتها. يقول تشومسكي:
“نحو اللغة هو نسق من القواعد يحدد مجموع جمل اللغة و ينسب لكل جملة وصفا بنيويا.

يوضح الوصف البنيوي تماما و بالأساس عناصر الجملة و تنظيمها وشروط استعمال الجمل الصحيح … و يصح في نظري أن نعتبر نحو اللغة تمثيلا للمعرفة اللغوية التي يملكها المتكلم السامع.”

شكل هذا التحديد الخلفية النظرية التي انطلق منها تشومسكي في بنائه لتصوره حول اللغة، الذي اتخذت معالمه في النموذج المعيار (1965 ) الملمح التالي:

1– المكون التركيبي: يشكل المكون الأساس في النظرية، و هو عبارة عن نسق من القواعد المولدة لعدد غير محدود من الأوصاف التركيبية الخاصة بالجمل، و يتضمن كل منها بنية عميقة و بنية سطحية.

2 – المكون الدلالي: تنحصر مهمته في إسناد قراءات معينة للأوصاف التركيبية.

3 – المكون الصواتي: تتوقف مهمته عند حدود التأويل الصوتي.
يلح تشومسكي (1965) على أن المكون التركيبي هو المكون التوليدي الوحيد، أما المكونان الآخران فهما تأويليان.
ينتظم المكون التركيبي كالتالي:

1- المكون المركبي: يضم

أ- الأساس أو القواعد المركبية: و هو ما حدده تشومسكي (1965) بأنه نسق من القواعد، الذي يولد عددا محصورا من متواليات الأساس لكل منها وصف بنيوي. يشمل الأساس عنصرين:

– المكون المقولي: يحدد نسق العلاقات النحوية التي تؤطر متواليات الرموز المقولية و يخصص رتبة العناصر داخل البنية العميقة و يضم نوعين من القواعد:
قواعد إعادة الكتابة: تتكفل بإعادة كتابة الرموز المقولية إلى رموز مقولية أخرى.
قواعد التفريع المقولي: تنقل مقولات المتواليات إلى رموز مركبة. و تتفرع إلى قواعد خاضعة للسياق و قواعد غير خاضعة للسياق.

ب -المعجم: و هو مجموعة غير محدودة من المداخل المعجمية. يتوفر كل منها على خصائص نحوية (تركيبية و دلالية و صواتية).

2 – المكون التحويلي: ينطلق من المؤشرات المركبية الأولى لتكوين مؤشرات مركبية مشتقة.
من بين الفرضيات التي تبناها نموذج (1965) أي النموذج المعيار التمييز بين البنية العميقة و البنية السطحية. تتميز الأولى بسمتين أساسيتين:
دورها في التركيب، باعتبارها تشكل نقطة انطلاق الاشتقاقات التحويلية.

– دورها في التأويل الدلالي، إذ تضم جميع المعطيات المحددة لمعنى الجملة. في حين أن الثانية تقف عند مستوى التأويل الصوتي. يتضمن هذا الموقف ثبوت المعنى عند التحويل. بيد أن النقاشات التي تمحورت حول النموذج المعيار كشفت عدة نقاط ضعف في النظرية، فطرحت عدة خلافات حول كيفية تجاوز سلبيات النموذج، عرفت أبرز تجسيداتها في تيارين أساسيين:

1 – الدلالة التوليدية: ركزت على المماثلة بين البنية العميقة و التمثيل الدلالي و قد
انطلقت في ذلك، من ضرورة إدماج القواعد التركيبية في التمثيلات الدلالية.

2 – الدلالة التأويلية: انصب اهتمامها على نقد طروح الدلالة التوليدية من جهة
و تعديل النظرية المعيار من جهة أخرى، مؤسسة بذلك ما نعته تشومسكي في العديد من كتاباته، بالنظرية المعيار الموسعة. تم في هذه النظرية التراجع عن فكرة أن التركيب قادر وحده على وصف و تفسير جمل اللغة دون الاعتماد على مكونات النحو أخرى.

يعني هذا أن تشومسكي – بفعل النقاشات التي تلت ظهور النموذج المعيار- قد وعى نقاط النقص التي تضمنها نموذجه، فكان لابد من إدراج بعض التعديلات الجوهرية في هذا النموذج بشكل يمكنه من استيعاب و تفسير هذه المعطيات. ساهم في تشكيل هذه التعديلات ما تلا ظهور النموذج المعيار من نقاشات حادة.

برنامج عمل الذي اقترحه تشومسكي لتحقيق هذه الاستراتيجية هو تبسيط القواعد الخاصة بكل مكون، فكان التعديل الأول هو تبسيط المكون المقولي، و قد قام به تشومسكي من خلال مقاله “ملاحظات حول التأسيم” الصادر سنة (1967)، و قد ناقش فيه فرضيتين هما:

الفرضية التحويلية.
الفرضية المعجمية.

يقتضي تبني الفرضية الأولى، حسب تشومسكي (1967 ) تعقيد المكون التحويلي و تبسيط بنيات الأساس، في حين أن تبني الفرضية الثانية يستوجب تبسيط المكون التحويلي و تعقيد بنيات الأساس.

يشير تشومسكي (1967) إلى أن الموقف التحويلي الذي مثله ليز (1960) كان هو الموقف الوحيد الممكن، و هو موقف يمثل للتعالقات الصرفية و التركيبية و الدلالية تحويليا.

و هكذا يوضح الفاسي الفهري (1982) كان الفعل عند ليز (1960) يظهر وحده في المعجم و يتم اشتقاق الاسم بواسطة عملية تحويلية، إلا أن تشومسكي يرى أنه بعد ظهور النموذج المعيار أصبح للموقف المعجمي مبررات وجوده، و من ثمة طرحت مسألة النظر في إمكانات التبسيط و التفسير التي يقدمها الموقفان بهدف الاختيار بينهما.

إن فعل الاختيار هذا لا يستند إلى موقف نظري و إنما يستند إلى موقف تجريبي تدعمه الأدلة التجريبية. لذا انطلق تشومسكي من رصد و تحليل مجموعة من الجمل مثلا:
1- وفاء أحمد لا جدال فيه.
2- أحمد واف بوعده.
3- أوفى أحمد بوعده.

تمثل الفرضية التحويلية للتعالقات القائمة بين ” أوفى” و ” واف” و ” وفاء” تحويليا ، في حين تنبذ الفرضية المعجمية الحل التحويلي، معززة بذلك الحل المعجمي الذي يمثل للأسماء المشتقة في المعجم عوض اشتقاقها تحويليا من الأفعال. يعكس هذا الحل النظر إلى الزمر المعجمية باعتبارها زمرا “مجردة ” أي قالبا من السمات المميزة التي يمكن أن تتوفر على تحقيقات صواتية تتنوع بتنوع السياقات، لأن المعجم لا يخصص مقوليا هذه الزمر.
من النتائج الهامة التي تمخضت عن تبني هذه الفرضية تقديم نظرية للمقولات المعجمية، هي نظرية س. تدرج هذه الترسيمة س لتعويض الترسيمة التقليدية : ج، م س، م ف، بنسق أغنى . بموجب هذه الترسيمة تكون المقولات الكبرى اسم، فعل، صفة، رؤوسا للمركبات (م س، م ف، مص). إن الترسيمة س هي وسيلة لإبراز أن هذه المركبات هي من نفس النمط ، لأنها تتقاسم تعميمات عبرـ مقولية، و قد جسدها تشومسكي (1972 :52) في القاعدة التالية :
4 – س س.
تعبر س عن القيم التالية س ، ف ، ص ، و هي رؤوس لمجالات س، التي هي إسقاط أقصى ل س. أدرج تشومسكي هذه العناصر في الأساس وفقا للخطاطة التالية:
5 – س [ مخ س] س.

التعديل الجوهري الثاني الذي أحدثه تشومسكي في إطار مراجعته للنموذج المعيار، هو القول بأن البنية السطحية تساهم في التأويل الدلالي لبعض المظاهر. يخالف هذا الموقف الموقف السابق القائم على أن البنية العميقة هي البنية الوحيدة المحددة للعلاقات الدلالية، و قد اقترح هذا التعديل لتفسير المفاهيم الدلالية المستنبطة من بعض الظواهر كالبؤرة focus و الاقتضاء presupposition و المحور topic و مجال الأسوار quantifiers و النفي negation و بعض السيرورات العائدية anaphoric و غيرها من الظواهر التي اعتبرها تشومسكي أنها تستوجب إدراج التأويل الدلالي في البنية السطحية .

ساهم في هذا التعديل بشكل خاص، جاكندوف الذي أوضح دور البنية السطحية في التأويل الدلالي، كما أشار إلى ذلك تشومسكي نفسه في حواره مع ميتسورونا (1977). يكتسب هذا الموقف أهمية استثنائية لأنه نقل مباشرة النظرية المعيار إلى النظرية المعيار الموسعة.

” اقترحت تسمية النظرية المعيار الموسعة لهذا التعديل للنظرية المعيار الذي يشترط تحديد التمثيل الدلالي بواسطة البنية العميقة و البنية السطحية. [التشديد مِنا].”
التعديل الثالث الذي خط للنحو التوليدي التحويلي مسارا آخر، هو تبسيط المكون التحويلي، و ذلك عبر التقليص من عدد و دور التحويلات. إذ لوحظ أن للقواعد التحويلية قدرة تعبيرية فائقة، مما حذا ببعض الباحثين إلى وضع جملة من الشروط و التقييدات عليها ضمنها قيد أ-أ الذي صاغه تشومسكي و قيود روس (1967) المعروفة التي قيدت مجال تطبيق التحويلات.

إلا أن هذه القيود، كما بينت أعمال ريتشي و بيترز، لم تكن كافية فتقرر تقليص التحويلات. برز هذا القرار المنهجي في السبعينات، و خاصة بعد التطورات التي عرفها النحو التوليدي التحويلي، إذ أصبح الحد من القدرة التحويلية أمرا مستعجلا. في هذا السياق يدرج مقال تشومسكي (1973) ” قيود على التحويلات “، و هو مقال يضع جملة من القيود المتعلقة بتوظبف التحويلات و خاصة الكيفيات التي يمكن أن تطبق بها. يدرج في هذا السياق أيضا مقال تشومسكي (1976) ” قيود على قواعد النحو” الذي انتهى إلى تكثيف كل القواعد التحويلية في قاعدتين أساسيتين بدون الإشارة إلى شروط تطبيقهما:

أ – القاعدة الأولى: صاغها تشومسكي بالاعتماد على فرضية المحافظة على البنية لإيموندز( 1976) و هي:
– انقل م س.
ب – القاعدة الثانية: ترتبط بالبنيات الاستفهامية و هي:
– انقل م.
باعتماد الترميز الأدنى minimal factorization استثمر تشومسكي في أعماله اللاحقة إمكانية دمج هاتين القاعدتين في قاعدة واحدة هي:
– انقل أ.
هذه القاعدة يمكن أن نقرأها كالتالي:
– “انقل أي عنصر إلى أي مكان”.
إلا أن هذه القاعدة التي اعتبرها تشومسكي انعكاسا لكل عمليات النقل في كل اللغات، طرحت مشكل التوليد الزائد، فكان لابد من وضع قيود صورية تحد من التحويلات التركيبية المقبولة، من جهة و تحدد من جهة أخرى لماذا لا يمكن نقل بعض العناصر إلى بعض المواقع. هنا يتدخل النحو الكلي ليضع جملة من القيود على تطبيق هذه القاعدة. في هذا المجال صاغ تشومسكي قيدين اثنين من قيود المحلية locality ، و هما قيدان على سلامة البناء:
10- قيد الجملة المنتهية الزمان:
…ص…. [ج …ي…] … ص…
حيث ج منتهية الزمان و حيث ي ليست في مص.

11 – قيد الفاعل المخصص:
لا يمكن لأي قاعدة أن تتضمن ص و ي في بنية
…ص…[…ز- و ي ف…]
حيث ز فاعل مخصص ل و ي ف.
يؤطر هذين القيدين مبدأ التحتية subjacency الذي ينص على عدم إمكان تطبيق التحويلات إلا داخل عجرة سلكية واحدة أو داخل مجال عجرتين سلكيتين متآخيتين. يصوغ الفاسي (1982 : 54):

12- مبدأ التحتية:
في بنية شجرية:
س…[ أ…] ب…ص…]…]…س…
أ و ب عجرتان سلكيتان لا يمكن لأي قاعدة أن تربط بين س و ص.

من جملة القيود التي صاغها تشومسكي نظرية الأثر. تنص هذه النظرية على أن كل م س منقول يخلف أثرا هو بمثابة عنصر فارغ صواتيا يسم الموقع الأصلي، و قد اعتبره تشومسكي (1973) متغيرا مربوطا له كل خصائص مراقبه أي العنصر المربوط إليه و يتضح ذلك من القاعدة التالية:
13- نظرية الأثر:
إذا نقل مكون من مقولة ص ن يترك في موقعه الذي نقل منه مقولة فارغة
من نفس النمط [ص ن غ] مقرونة بالعنصر المنقول.
من هنا تتحدد وظيفة الأثر في الحفاظ على العلاقات النحوية الموجودة في عـ – بنية ، و الإشارة إلى أن العنصر قد نقل فلم يعد يشغل موقعه الأصلي.
بفضل هذه النظرية التي بلورها تشومسكي (1973) و طورها في أعماله اللاحقة أصبح من الممكن مراجعة النظرية المعيار الموسعة بإدراج كل المعلومات الدلالية في سـ – بنية بما فيها التعالقات المحورية التي كانت تحددها فيما قبل عـ- بنية، لهذا أصبحت س – بنية بعد إغنائها بالآثار تحدد بشكل كامل الصورة المنطقية، و هي مستوى التمثيل الدلالي، مما يوحي بأنها أكثر عمقا و تجريدا من عـ- بنية.
لم يقتصر تشومسكي في مراجعاته هذه على وضع قيود على التحويلات للحد من القدرة التوليدية الزائدة، بل وضع أيضا تحقيقا لنفس الاستراتيجية قيودا على البنية السطحية سماها المصافيfilters و قد تم ذلك في تشومسكي و لاسنيك (1977) الذي يعد أول محاولة لبناء نظرية نسقية للمصافي باستغلال العجر الفارغة و ذلك – كما أشار إلى ذلك رادفور (1981) – بالانطلاق مما قدمه بلمتر (1971) و روس (1967).
أجمل رمسديجك و وويليامز ( 1986 : 172-173) :
أ – النظرية المعيار الموسعة:
قواعد بنية الجملة المعج

عـ- بنية قواعد دلالية تمثيل دلالي
التحويلات
سـ – بنية
قواعد صواتية
تمثيل صوتي
ب النظرية المعيار الموسعة:
نظرية س لقواعد بنية الجملة المعجم
عـ – بنية
ق.البنية المحورية
التحويلات
التمثيل الدلالي
ق.العائد و التسوير
سـ – بنية
القواعد الصواتية
التمثيل الدلالي
ج – النظرية المعيار الموسعة المراجعة
نظرية س لقواعد بنية الجملة المعجم

عـ – بنية

التحويلات

سـ – بنية

القواعد الصواتية القواعد الدلالية

تمثيل صوتي تمثيل دلالي

د- النموذج – ث(النموذج الثلاثي)

نظرية س لقواعد بنية الجملة المعجم

عـ – بنية
انقل أ
سـ – بنية

أ – قواعد النزع د – القواعد العائدية
ب – المصافي هـ – قواعد التسوير
ج – القواعد الصواتية ز – قواعد المراقبة
تمثيل صوتي تمثيل دلالي

خلاصة 
ظهر النموذج التوليدي التحويلي منذ (1957) سنة ظهور البنيات التركيبية، و قد بين تشومسكي في هذا الكتاب عدم كفاية نسق القواعد المركبية و اختار نمطا محددا من القواعد هو القواعد التحويلية. و قد أعاد صوغ صورة النحو في سنة (1965) في كتابه “مظاهر النظرية التركيبية”.
كان تصور “مظاهر” للنحو نقطة انطلاق عدة نقاشات تجسدت في جملة من الانتقادات أدت إلى جملة من التعديلات.
يتلخص التعديلان الجوهريان الأولان في نظرية س، و القول بأن البنية السطحية تسهم في التأويل الدلالي . سميت هذه المرحلة بنظرية المعيار الموسعة.
بعد ظهور نظرية الآثار طرح تصور جديد، إذ بعد إغناء سـ – بنية بالآثار أصبحت مؤهلة لاحتواء خصائص عـ – بنية، فاعتبرت بذلك المجال الوحيد للتأويل الدلالي بهذا أصبح من الممكن الحديث عن النظرية المعيار الموسعة المراجعة.
غير أن التركيز على تبسيط آليات النحو أدى إلى تقليص المكون التحويلي في قاعدة واحدة هي : انقل أ، التي تم ضبطها بإدراج بعض القيود العامة و بإدراج المصافي . نتيجة لهذه التطورات اقترح تشومسكي و لاسنيك (1977) نموذجا ثلاثيا
( نموذج – ث).
قبل الانتقال إلى رصد المرحلة الحالية للنظرية، نشير إلى تحولين جوهريين يجملهما تشومسكي (1981) فيما يلي:
1 – التحول من الاهتمام باللغة إلى الاهتمام بالنحو . تبعا لذلك يعتبر تشومسكي أن النحو واقعي ، بل هو أكثر واقعية من اللغة التي يعدها مفهوما مشتقا، لذلك يدرج النحو الكلي ضمن مكونات الإرث التكويني.
2 – الانتقال من الاهتمام بأنسقة النحو إلى الاهتمام بأنسقة المباديء من منطلق تبسيط النحو لتكون لديه قوة تفسيرية نامية.
زامن هذين التحولين التركيز على دراسة العائدية. يقول تشومسكي (1981 : 62) :

” إن فحص ما دعي ب”التعابير العائدية” التي تقيم علاقة تحاول مع تعابير
أخرى أنتج استقصاء مجديا لدراسة علاقات التحاول و مباديء النحو
الكلي. “
في هذا الإطار وضع تشومسكي قيود الربط التي تخصص التعالقات الممكنة بين التعبير الإحالي و سابق معين.
تقول رينهارت (1983 :1):

” أصبحت العائدية مركز اهتمام النظرية الحالية، لأنها تربط بين مجموعة من
المشاكل الكبرى، فمن جهة اعتقد البعض (تشومسكي 1980 – 1981) أن
القيود التي تعمل في تأويل العائدية أو التقارن coindexing هي نفسها التي
تعمل في قواعد النقل التركيبية،و من جهة أخرى عرفت العائدية بأنها تتفاعل
و عدة اعتبارات دلالية و خطابية، بالإضافة إلى أنها تقدم مثالا واضحا على
تبعية تأويل الجمل الدلالي للخصائص التركيبية لجمل اللغة الطبيعية.”

قد ارتبط الاهتمام بالعائدية بالاهتمام بدراسة المقولات الفارغة. يقول تشومسكي (1981):

” إن التساؤل عن طبيعة المقولات الفارغة تساؤل مهم لعدة أسباب قدمت دراسة
مثل هذه العناصر مع اسثتمار العوائد و الضمائر فحصا جيدا حدد خصائص
المستويين التركيبي و الدلالي و القواعد المكونة لهما.”

بهذا الصدد يميز تشومسكي (1981) بين الأثر و ضم. فالأثر يتوفر على السمات التالية:
أ – إنه معمول.
ب – سابق الأثر ليس في موقع – Ɵ-;—;–
ج – تستجيب العلاقة سابق أثر إلى مبدأ التحتية، في حين أن ضم يفتقر إلى كل هذه السمات فهو :
أ – ليس معمولا.
ب – لسابقه إذا وجد دور – مستقل.
ج – لا تتطلب العلاقة سابق – ضم الاستجابة لقيد التحتية.
كل ذلك في إطار مقاربة أرادها تشومسكي أن تكون قالبية. تنبني الأطروحة القالبية على فرضية أن تفسير تعقد المعطيات اللغوية، لا يمكن أن يتم إلا عبر مقاربة قالبية تشكل فيها الأنساق الفرعية قوالب لكل منها مبادؤها الخاصة و قوانينها المستقلة و يخضع كل منها للتنوع الوسيطيparametric variation ، إذ توضيح المعطيات اللغوية لا يتم إلا بتوسل هذه القوالب مجتمعة. هذا ما عبرت عنه ميتسورونا (1986 :10) بقولها:

” يصدر التصور القالبي من تابث أن النظريات الموجودة فشلت في تفسير
المعطيات اللغوية المتنافرة . لهذا تنحى البنيوية و الدلالة التوليدية لتترك
المجال لنماذج متنافرة تضم عدة أنماط و مبادئ و أنسقة القواعد التي تطبق
في مختلف المستويات.”

أسس التصور القالبي مجموعة من المفاهيم الجوهرية كمفهوم العاملية و مفهوم الإعراب المجرد و مفهوم الربط ..الخ، التي تم الحديث عنها انطلاقا من تخصيص جملة من الأنسقة الفرعية للمبادئ التي أجملها تشومسكي في أعماله المعاصرة كالتالي:
1 – نظرية س.X – theory
2 – نظرية Ɵ-;—;– – theory Ɵ-;—;–
3 – نظرية العاملية Government theory
4 – نظرية الربط Binding theory
5 – نظرية المراقبة Control theory
6 – نظرية الفصل ( أو العجر الفاصلة ) Bounding theory
7 – نظرية الحالة الإعرابية Case theory

سنحاول أن نقدم صورة عامة عن كل نظرية من هذه النظريات.

1 – نظرية س: تتلخص الفكرة الأساسية لهذه النظرية، في اعتبار الجمل إسقاطات لمقولات معجمية، حيث أن المقولة المعجمية تعمل في العجرة الجملية م س. و قد تولى تشومسكي (1985 : 2) تطوير هذه النظرية بالتمييز بين المقولات المعجمية و المقولات غير المعجمية، مؤسسا المقولات المعجمية على المظاهر الآتية :[ ± س ، ± ف] . بذلك بحصرها في الاسم و الفعل و الصفة و الموقع القبلي و الموقع البعدي ، في حين يقصر المقولات غير المعجمية على المصدريات (مص) و الصرفة (صر)
2 – النظرية Ɵ-;—;–: في إطارها يقوم الرأس المعجمي بإسناد (أي الوسم – Ɵ-;—;–) دور محوري للموضوع الذي يعتبر تابعا. تميز النظرية – Ɵ-;—;– بين نوعين من التبعيات المحورية، مقيمة بذلك نوعين من المواقع:
الموقع Ɵ-;—;–، و هو ذلك الذي يسند فيه الرأس المعجمي دورا – Ɵ-;—;– إلى الفاعل أو الفضلة ، و ينعت أيضا بالموقع – ض A- position.
الموقع – Ɵ-;—;– و هو موقع الأدوار Ɵ-;—;– و يسمى أيضا بالموقع ض A- position.
الأساس هنا هو المقياس المحوري – criterion Ɵ-;—;– ، الذي يصوغه الفاسي الفهري (1985 : 25) كالتالي:

14- المقياس المحوري

كل موضوع يحمل دورا محوريا و دورا واحدا فقط . و كل دور يسند إلى
موضوع و موضوع واحد فقط .”

تشكل مجموع الأدوار – Ɵ-;—;– التي يسندها الرأس المعجمي إلى موضوعاته ما أطلق عليه تشومسكي نعت الشبكه المحورية Ɵ-;—;– ب- grid Ɵ-;—;–
3- النظرية العاملية: العاملية علاقة بنيوية بين الرأس و توابعه . يحددها تشومسكي (1981 : 164) كالتالي:

15- العاملية:
في التشجير
[ ب…ي…أ…ي…]، حيث:
(ا) أ= ص °
(اا) باعتبار ∅-;—;– إسقاطا أقصى ، إذا كان ∅-;—;– يحكم ي ف ∅-;—;– يحكم أ.
(ااا) تتحكم أ مكونيا في ي ، إذن أ تعمل في ي/
و تحدد رينهارت (1976 : 18) التحكم المكوني كالتالي:
16 – التحكم المكوني:
تتحكم أ مكونيا في ب إذا و فقط إذا كانت أول عجرة مفرعة تعلو أ تعلو ب و أ لا تعلو ب.

و العجرة المفرعة، كما يشير إلى ذلك الفاسي الفهري (1985 : 123)، هي التي لها أكثر من فرع واحد.
تحتوي نظرية العاملية حسب تشومسكي (1981 :19) على مبدأ المقولة الفارغة empty category principle ، الذي يشار إليه اختصارا في الأدبيات اللسانية (ECP) (م م غ).

17- مبدأ المقولة الفارغة
ينبغي أن يكون [أ غ] معمولا.

يشير تشومسكي (1981) إلى أن مفهوم العاملية يوحد بين عدة أنساق فرعية،
لذلك أولاه أهمية خاصة. و قد أعاد صياغته في تشومسكي (198 : 9) بالشكل التالي:
18 – مفهوم العاملية:
تعمل أ في ب إذا كانت أ تتحكم ي ب تحكما أقصى و ليست هناك أي ي ، و ي تحجز ب بشكل يجعل ي تخرج أ.
و هكذا تتحدد العاملية – حسب تشومسكي (1985) بواسطة الإخراج exclusion لا التحكم.
4 – نظرية الربط: تهتم بالتوزيع و تأويل العوائد و الضمائر و التعابير الإحالية و علاقات العائد و التحاول التي تقيمها الوحدات فيما بينها، و يتحدد مجالها في ” المقولة العاملة “. تشير هذه المقولة إلى مجال المحلية الذي ينبغي للعائد أن يجد فيه سابقا، و الذي يخضع فيه الضمير إلى الفصل الإحالي. يخصص تشومسكي (1981) المقولة العاملة كالآتي:
– المقولة العاملة
أ هي مقولة عاملة في ب، إذا و فقط إذا كانت أ مقولة دنيا تحتوي ب و
عامل ب .
تتلخص الشروط التي تخضع لها نظرية الربط فيما يلي :
أ – ينبغي للعائد أن يكون مربوطا في مقولته العاملة.
ب- ينبغي للضمير أن يكون حرا في مقولته العاملة.
ج – ينبغي للتعبير الإحالي R- expression أن يكون حرا.

5 – نظرية المراقبة: تضبط الشروط التي تحدد إمكانية إحالة العنصر الضميري المجرد (ضم) . يشير روفري (1987 : 39) إلى أن أغلب النظريات المعاصرة تميز بين نوعين من المراقبة:
المراقبة الإجبارية
المراقبة الاختيارية
يتحدد الفرق بينهما في أن المراقبة الإجبارية تشترط وجود سابق يربط ضم، في حين أن المراقبة الاختيارية لا تشترط ذلك.
6 – نظرية الفصل: تحدد المسافة التي يمكن أن تفصل الآثار عن السوابق و تضع الشروط المحلية على بعض السيرورات و الزمر المرتبطة بها. مقيدة القواعد التي تندرج في خطاطة : انقل أ. القيد الذي يطبق هنا هو قيد التحتية الذي ينص على أن الروابط التي توجدها عملية تحويلية ما لا يمكن أن تتعدى أكثر من عجرة سلكية واحدة.

7 – نظرية الحالات الإعرابية : تتكفل بإسناد الحالات الإعرابية المجردة و تحقيقها الصرفي المحتمل. تعتبر مصفاة الحالة الإعرابية التي صاغها فرنيو و تبناها تشومسكي (1981 : 175) المفهوم الجوهري في هذه النظرية.

مصفاة الحالة الإعرابية:
* [ س” أ] .إذا كان أ يتوفر على قالب صوتي و يفتقر إلى إعراب.

تطبق هذه المصفاة في مستوى سـ – بنية، و يتم إسناد الإعراب تبعا للقيد البنيوي، الذي ينص على أن تكون هناك علاقة عاملية بين مسند الإعراب (ف أو صر) و المقولة س الموسومة إعرابيا.
وفقا لذلك تتحدد قواعد إسناد الإعراب فيما يلي:
أ – أن يكون م س مرفوعا حيث يعمل فبه تطا (التطابق) و-أو الزمن.
ب – يكون م س منصوبا إذا عمل فيه ف.
ج – يكون م س مائلا إذا عملت فيه ج و بعض الأفعال الموسومة المعجمية.

بحصر هذه القوالب تتحدد معالم نظرية الربط العاملي في هذا البيان الذي نقتبسه من هركس (1987 : 286):

المعجم

بواسطة مبدأ الإسقاط
و نظرية س

البنيات العميقة نظرية Ɵ-;—;– (المقياس Ɵ-;—;–)

بواسطة انقل أ نظرية الفصل (التحتية)

س – بنيات مبدأ الإسقاط
نظرية – Ɵ-;—;– (المقياس Ɵ-;—;–)
نظرية الإعراب (مصفاة الإعراب)
نظرية الربط

بواسطة قواعد ص ص بواسطة قواعد ص م

البنيات السطحية مبدأ الإسقاط
نظرية Ɵ-;—;– (المقياس Ɵ-;—;–)

ص م نظرية الربط (م م غ)

مقتبس من أطروحة: إشكال الرتبة بين
التركيب و التداول : ربيعة العربي
( 1990- 1991).

ربيعـة العربي

ربيـعة العربي: باحثة وأكاديمية مغربية، أستاذة التعليم العالي بجامعة ابن زهر كلية الآداب و العلوم الإنسانية بمدينة أكاديـر. خبيرة في اللسانيات و العلوم الاجتماعية لدى منظمة الإيسيسكو، نائبة رئيس جمعية لسانيات النص و تحليل الخطاب، منسقة لفريق المعجم و الترجمة، كاتبة عامة لجمعية الباحثات بجنوب بالمغرب، عضو في مركز الأبحاث حول قضايا المرأة و الأسرة، عضو في مختبر المجتمع و اللغة و الخطاب، عضو هيئة تدريس ماستر لسانيات النص و تحليل الخطاب، مشرفة على منتدى فريق البحث الطلابي في اللسانيات، عضو في العديد من مجموعات البحث والجمعيات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى