البحث العلمي

فضيحة بحثية تزيد الالتباس حول فعالية دواءٍ لعلاج فيروس كورونا

 

تسببت أول فضيحة بحثية مرتبطة بجائحة فيروس كورونا المستجد (المسبب لمرض كوفيد-19) في جدل غير ضروري حول دواء هيدروكسي كلوروكوين المسبب للانقسامات في الرأي، وفقا للعلماء.

وفي الوقت نفسه، تدور أسئلة حول شركة الرعاية الصحية الصغيرة الموجودة في قلب قضية الهيدروكسي كلوركين.

وسحب أكثرية معدي الدراسات الرئيسية المنشورة عبر مجلتي “ذي لانست” و”نيو إنغلاند جورنال أوف ميديسين”، الخميس الماضي، أعمالهم وتقدموا باعتذار قائلين إنهم لا يستطيعون المضي في تبني هذه النتائج بعدما رفضت شركة “سورجيسفير” المزودة للبيانات المستخدمة فيها الخضوع للتدقيق.

وفي الأوقات العادية كان لمثل هذا الموقف أن يثير جلبة كبيرة في الأوساط البحثية، لكن الموضوع اتخذ بعدا آخر في ظل الأزمة الصحية التي يواجهها العالم جراء فيروس كورونا المستجد، والذي حصد أرواح نحو 400 ألف شخص.

وقد تركز الاهتمام بصورة خاصة على دراسة نشرتها “ذي لانست”، وقال معدوها إنها تضمنت تحليلًا لبيانات 96 ألفا و32 مريضًا أُدخِلوا إلى 671 مستشفى في 6 قارات، وخلصت إلى أن الهيدروكسي كلوروكين لم يُظهر أي فعالية في مواجهة الفيروس حتى إنه فاقم خطر الوفاة لدى المرضى.

وقال أستاذ طب الطوارئ في جامعة جونز هوبكينز الأمريكية غايب كيلين إن “الأمر مُسيَّس بدرجة كبيرة، ثمة مجموعة ليست بصغيرة على الأرجح تعلمت التشكيك بالعلم والعلماء، وما حصل يصب في هذا الاتجاه”.

وقد حصل ذلك رغم توافر مؤشرات منذ ما قبل نشر دراسة “ذي لانست” تدفع إلى الاعتقاد بعدم فعالية الهيدروكسي كلوروكين في معالجة مرضى كوفيد-19.

وأظهرت تجربة عشوائية رابعة نشرت نتائجها، أمس الجمعة، عدم وجود أي أثر لهذا الدواء في التصدي لفيروس كورونا المستجد.

  • شركة غامضة

وتصنف مجلة “ذي لانست” التي أسست سنة 1823 على أنها من أكثر المنشورات الطبية الموثوقة في العالم.

ومن ثمَّ، كان للدراسة المتعلقة بالهيدروكسي كلوروكين أثر مضاعف، إذ إن منظمة الصحة العالمية وبريطانيا وفرنسا علقت -كلها- تجارب سريرية تجريها حاليًا على هذا الدواء.

لكن الأمور انقلبت بعدما لاحظ الباحثون ثغرات عدة بينها العدد الهائل من المرضى المشمولين بالدراسة إلى التفاصيل غير الاعتيادية عن الجرعات التي تلقوها.

وقد نشرت “نيو إنغلاند جورنال أوف ميديسين” دراسة عما إذا كانت مميعات الدم تزيد خطر الإصابة بكوفيد-19 بالاعتماد على بيانات للشركة ذاتها.

وأبدت هذه المجلة العريقة، شأنها شأن “ذي لانست” شكوكًا إزاء هذه الدراسات قبل أن يسحب معدو البحوث توقيعهم على هذه الأعمال.

ورفضت شركة “سورجيسفير” التي أسسها الجراح سابان ديساي سنة 2007، مشاركة بياناتها مع جهات تدقيق محايدة قائلًا إن هذا الأمر ينتهك الاتفاقات الخاصة بحماية الخصوصية مع المستشفيات.

وتواصل موقع “ذي ساينتسيت” (المتخصص في الأخبار العلمية مع مستشفيات في أنحاء مختلفة في الولايات المتحدة) لسؤالها عما إذا كانت قد شاركت في هذه الدراسة، لم يتلق أي رد إيجابي.

وقد زادت الشكوك حيال “سورجيسفير” بسبب طبيعة وجودها الإلكتروني، إذ إن عددًا قليلًا من الموظفين فيها لديهم حسابات عبر شبكة “لينكد إن” للمهنيين، فضلًا عن أن كثيرين منهم عطلوا حساباتهم.

وذكرت صحيفة “ذي غارديان” أن من بين موظفي الشركة عارضة عاملة في مجال الإنتاجات الإباحية، كما أن عناوين الاتصال في الموقع الإلكتروني الخاص بالشركة تحيل الزوار إلى صفحة أخرى للعملات الافتراضية، ما يثير تساؤلات عن طريقة تواصل المستشفيات مع “سورجيسفير”.

وكان ديساي الملاحَق بموجب ثلاث قضايا ضده جراء أخطاء طبية، قد كتب في السابق بصورة مكثفة عن سلوكيات سلبية في المجال البحثي.

وكتب سنة 2013 “القضية الأكثر جدية في مجال التزوير في المنشورات الطبية تتعلق ببيانات مفبركة يستخدمها المعدون لدعم خلاصات ذات تأثير كبير”.

  • مشكلات بنيوية

ورأى إيفان أورانسكي مؤسس “ريتراكشن ووتش” في 2010 إن هذه القضية ليست مفاجئة، وهي تشي بثغرات بنيوية في عالم المنشورات العلمية، وفي طريقة نقل العلوم إلى العامة.

وقال “لم يتكلف أحدهم عناء الاطلاع عن كثب على البيانات، لكننا نعلم بهذه المسائل منذ عقود”.

ولفت أورانسكي إلى ضرورة عدم اعتماد صناع القرار على دراسة واحدة للإبلاغ عن قراراتهم -كما حصل مع منظمة الصحة العالمية- وقال إنه يتعين على وسائل الإعلام وضع المنشورات العلمية في إطارها الصحيح، بدلًا عن المبالغة في توصيف أهميتها.

واستبعد أورانسكي أن تُغيِّر هذه التطورات الأخيرة طريقة العمل في هذا المجال مستقبلًا، معتبرًا أنه في حال زادت مجلة طبية من التدقيق في بياناتها؛ فإن دراسات أخرى على هذا النحو ستجد طريقها إلى صفحات المنشورات المنافسة.

وعقار هيدروكسي كلوروكين أحد مشتقات مركب الكلوروكين، ويوصف منذ عقود لمعالجة الملاريا.

ويشهد منذ نهاية فبراير/شباط الماضي، شهرة غير مسبوقة منذ نشر البروفسور الفرنسي ديدييه راوول دراسات عدة أظهرت في رأيه فاعلية هذا العقار إذا تم إقرانه بالمضاد الحيوي أزيثرومايسين.

حتى أن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب أعلن أنه يتناوله يوميا من باب الوقاية، فيما أبدى الرئيس البرازيلي غايير بولسونارو ثقته بفاعليته ما دفع وزارة الصحة إلى أن توصي باستخدامه مع المرضى الذين يظهرون فقط أعراضا طفيفة.


المصدر

بالعربية

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى