علوم سياسية

هل يُقدم “ترامب” على تعليق عمل الكونغرس ؟

 

هدّد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتعليق عمل الكونغرس إذا لم يقر مجلس الشيوخ التعيينات التي أرسلها إليه ولم يصوت عليها أعضاؤه بعد، مؤكدا أن الدستور يسمح له بتعليق عمل السلطة التشريعية وإقرار هذه التعيينات بنفسه.

ولم يسبق لأي رئيس في تاريخ الولايات المتحدة أن قام بتعليق عمل الكونغرس حتى في حالات الحربين العالميتين الأولى والثانية، أو خلال سنوات الكساد العظيم، أو إبان انتشار الإنفلونزا الإسبانية.

ويشتكي ترامب من أن مجلس الشيوخ يعتمد في تسيير أعماله على مبدأ “pro forma sessions” (جلسات شكلية استثنائية)، وهي طريقة تسيير أعمال لا يشارك فيها سوى عدد قليل من الأعضاء، ولا تسمح بمناقشة ترشيحات الرئيس فيها، ويُنتظر أن يعود أعضاء مجلس الشيوخ لممارسة أعمالهم من العاصمة واشنطن في الرابع من الشهر المقبل.

ويريد ترامب استغلال نص دستوري يسمح له نظريا بتأجيل أعمال الكونغرس، وهو ما يمكّنه من تثبيت المرشحين في وظائف فدرالية دون الحاجة لتصويت وموافقة مجلس الشيوخ عليها.

  • أكثر تعقيدا

بداية يسيطر الجمهوريون على مجلس الشيوخ بأغلبية 53 عضوا مقابل 47 للديمقراطيين، وهو ما أدى لتثبيت ترشيحات الرئيس ترامب بمن فيهم قاضيان بالمحكمة الدستورية العليا بعدما تم تعديل إجراءات المجلس الداخلية لتسمح بتمرير الترشيح حال تحقيق أغلبية بسيطة (50+1) بدلا من أغلبية ستين صوتا كما جرى العرف.

وتم التصويت وإقرار المئات من ترشيحات الرئيس ترامب، ويُفصل “مشروع الشراكة للخدمة العامة” وهو مؤسسة بحثية غير حزبية ترشيحات ترامب ومواقفها على النحو التالي:

مناصب لم يرشح ترامب لها أحدا: 150 منصبا.

مناصب تنتظر ترشيحا من ترامب: 15 منصبا.

مناصب تنتظر تصويت مجلس الشيوخ: 82 منصبا.

مناصب تم التصويت عليها وإقرارها: 510 مناصب.

مناصب اختار لها ترامب مرشحين، وعاد وسحب الترشيح: 44 منصبا.

مناصب رشح لها ترامب وأُقرت ثم قدم المسؤولون استقالاتهم: 123 منصبا.

ومن بين من عينهم ترامب ووافق عليهم مجلس الشيوخ 39 وزيرا، إضافة إلى 193 قاضيا فدراليا.

وتم تعطيل التصويت على 82 مسؤولا تنفيذيا في انتظار موافقة اللجان الفنية التابعين لها داخل مجلس الشيوخ، وهي لجان يسيطر عليها الجمهوريين، أي أن هناك مشاكل بخصوصهم عند بعض الأعضاء الجمهوريين.

ومن بين المناصب الشاغرة منصب وزير الأمن الداخلي ونائب الوزير. ويرى جيرمي بيريس، وهو مسؤول سابق بمجلس الشيوخ، أن الرئيس ترامب “يتعمد ترك بعض المناصب شاغرة حيث يصبح على رأسها قائم بالأعمال، فيُسهل ذلك من انصياع ذلك المسؤول لكل ما يطلبه الرئيس آملا في الحصول على المنصب رسميا”، لذا فهناك مناصب شاغرة لأن الرئيس ترامب لم يرشح لها أحدا.

ويرى بيريس أن سياسة ترامب جعلت “إدارته لا تهتم كثيرا بملء المناصب المختلفة، وعندما ضرب الوباء الولايات المتحدة، اكتشف البيت الأبيض أن هناك نقصا كبيرا في أعداد المسؤولين الحكوميين الضروريين للتعامل مع هذه الأزمة غير المسبوقة”.

  • موقف معقد

ينص الجزء الثالث من المادة الثانية من الدستور الأميركي على حق الرئيس في تعطيل أعمال الكونغرس في الظروف الاستثنائية.

وجاء نص المادة، “في حالة عدم موافقة مجلسي الكونغرس على موعد محدد لتعطيل عملهما، يمكن للرئيس أن يعطل عمل الكونغرس لفترة يراها مناسبة”.

لكن هذا السيناريو يفترض تحقق شروط على النحو التالي:

1- ينبغي أن يستدعى السيناتور ميتش ماكونيل، رئيس الأغلبية الجمهورية بمجلس الشيوخ، الأعضاء للانعقاد ويدعو الأعضاء للتصويت لوقف انعقاد المجلس.

2- أن تدعو النائبة الديمقراطية نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب، لانعقاد مجلس النواب، وتنظر في قرار مجلس الشيوخ وتعدله وتدعو للتصويت عليه.

3- يرد مجلس الشيوخ ويدعو للتصويت على قرار مجلس النواب المعدل، وعند الرفض، يستطيع ترامب في هذه الحال تعطيل عمل الكونغرس.

وتستطيع بيلوسي كذلك تجاهل قرار مجلس الشيوخ ولا تدعو للتصويت على مشروع قراره، وهذا لا يوفر للرئيس “حالة عدم الاتفاق بين المجلسين” وهو ما يُعقد قرار تعطيل أعمال الكونغرس.

من ناحية أخرى، دفعت هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 إلى مراجعة إجراءات عمل مجلس النواب ومجلس الشيوخ، وأقر البند رقم 12 (سي) في قواعد تنظيم عمل مجلس النواب، أن يدعو مجلس النواب للانعقاد فور صدور قرار من الرئيس بتعطيل أعمال الكونغرس (بعد دقائق من صدور قرار الرئيس).

ولن يسمح هذا السيناريو للرئيس ترامب بتثبيت ترشيحاته للمناصب المختلفة.

ولن يكون أمام الرئيس أي وقت أو فرصة لتعيين أي شخص في هذه الفترة. ولم يتم اختبار ذلك في التاريخ الأميركي، وغالبا سيكون القول الأخير للمحاكم الفدرالية.

  • سوابق ضد الرئيس

من شأن إقدام ترامب على هذه الخطوة الدفع لمواجهة قضائية بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية حول حدود وصلاحيات وقوة الرئيس، ويصدر الحكم فيها السلطة القضائية.

وتقليديا لا يحبذ أعضاء مجلس الشيوخ من الحزبين أي تأكيد لترشيحات الرئيس أثناء فترة عطلات المجلس.

وقد تزعم السيناتور ميتش ماكونيل، رئيس الأغلبية الجمهورية بالمجلس حاليا، أكثر من أربعين عضوا جمهوريا لتحدي قرارات الرئيس السابق باراك أوباما أمام المحاكم الأميركية عام 2012 لبعض الترشيحات أثناء فترة عطلات مجلس الشيوخ.

وفاز الجمهوريون أمام المحكمة الدستورية العليا عام 2014، واتخذت المحكمة حينها قرارا بالإجماع من قضاتها التسعة، بمن فيهم القضاة الذين عينهم الرئيس أوباما نفسه، حيت أكدت المحكمة سلطة مجلس الشيوخ وليس الرئيس ليحدد فترات انعقاده.

ونص قرار المحكمة الدستورية العليا عام 2014 على أنه “تحت ظروف استثنائية غير طبيعية مثل كارثة وطنية تمنع إمكانية عقد جلسات مجلس الشيوخ، يمكن للرئيس تأجيل عقد جلسات مجلس الشيوخ ويمكن أن يثبت بعض الترشيحات خلال فترة قصيرة”.

وعلى لسان المتحدث باسم السيناتور ميتش ماكونيل “تعهد زعيم الأغلبية الجمهورية بمجلس الشيوخ بإيجاد طريقة للتصويت على اختيارات الرئيس من المرشحين الأكفاء الذين سيكون لهم دور في مكافحة فيروس كورونا المستجد، لكن يجب أن يتم ذلك بالتوافق مع زعيم الأغلبية الديمقراطية، السيناتور تشك شومر”.


محمد المنشاوي-واشنطن / الجزيرة

بالعربية

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى