الدراسات الثقافية

«التصيين» بعض أشكال الترابط بين الصين والعرب

تهدف‭ ‬المقالة‭ ‬إلى‭ ‬تتبع‭ ‬بعض‭ ‬أشكال‭ ‬الترابط‭ ‬بين‭ ‬العرب‭ ‬والصين،‭ ‬وتبادل‭ ‬الانتماء‭ ‬والفعل‭ ‬بينهما‭ ‬في‭ ‬مسميات‭ ‬بلدان‭ ‬ومواقع‭ ‬عربية،‭ ‬والنسبة‭ ‬إليها،‭ ‬وإطلاقها‭ ‬لتكون‭ ‬مسمى‭ ‬شمولياً‭ ‬لنمط‭ ‬من‭ ‬الأواني‭ (‬الصواني‭) ‬والأطباق؛‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬ينمّ‭ ‬عن‭ ‬عمق‭ ‬التأثير‭ ‬الصينيّ‭ ‬في‭ ‬الثقافة‭ ‬العربية‭.‬‭


‬وسأبدأ‭ ‬بلمحات‭ ‬موجزة‭ ‬عن‭ ‬تاريخ‭ ‬العلاقات‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬النظر‭ ‬العربية؛‭ ‬فوفقاً‭ ‬للمصادر‭ ‬العربية،‭ ‬تعود‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬العرب‭ ‬والصين‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬الإسلام،‭ ‬والمؤكد‭ ‬أن‭ ‬التجارة‭ ‬كانت‭ ‬هي‭ ‬البدء،‭ ‬وأن‭ ‬الطريق‭ ‬البحريّ‭ ‬كان‭ ‬الأقدم‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬هذه‭ ‬العلاقة‭ ‬التي‭ ‬ربطت‭ ‬بين‭ ‬سواحل‭ ‬جنوبي‭ ‬الجزيرة‭ ‬العربية،‭ ‬وسواحل‭ ‬جنوبي‭ ‬الصين،‭ ‬ولعل‭ ‬الصين‭ ‬كان‭ ‬لها‭ ‬الدور‭ ‬الأكبر‭ ‬بحكم‭ ‬أساطيلها‭ ‬الكبيرة،‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تجوب‭ ‬البحار‭ ‬حاملةً‭ ‬البضائع‭ ‬الصينية‭ ‬إلى‭ ‬غربي‭ ‬العالم،‭ ‬وتعود‭ ‬منه‭ ‬بموادَّ،‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬الصمغ‭ ‬العربيّ‭ ‬من‭ ‬جنوبي‭ ‬الجزيرة‭.


  • الاحتكاك‭ ‬العسكري

كانت‭ ‬هناك‭ – ‬كما‭ ‬تشير‭ ‬بعض‭ ‬المصادر‭ ‬التراثية‭ ‬العربية‭- ‬غزوات‭ ‬عسكرية‭ ‬من‭ ‬الجانب‭ ‬العربي؛‭ ‬أقدمها‭ ‬غزو‭ ‬تُـبَّع‭ – ‬ملك‭ ‬اليمن‭ – ‬الصين،‭ ‬ووصوله‭ ‬إلى‭ ‬التبت‭. ‬


وينقل‭ ‬ياقوت‭ ‬عن‭ ‬كتاب‭ ‬عتيق‭ ‬وردت‭ ‬فيه‭ ‬معلومات‭ ‬منسوبة‭ ‬إلى‭ ‬أبي‭ ‬دلف‭ ‬مِسعْر‭ ‬بن‭ ‬مهلهل،‭ ‬يذكر‭ ‬فيها‭ ‬ما‭ ‬شاهده‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬الترك‭ ‬والصين‭ ‬والهند،‭ ‬ومما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬الكتاب‭ ‬قوله‭: ‬‮«‬ثم‭ ‬انتهينا‭ ‬إلى‭ ‬موضع‭ ‬يُقال‭ ‬له‭: ‬القُليب،‭ ‬فيه‭ ‬بوادي‭ ‬عرب‭ ‬ممن‭ ‬تخلف‭ ‬عن‭ ‬تُـبَّع‭ ‬لما‭ ‬غزا‭ ‬بلاد‭ ‬الصين،‭ ‬لهم‭ ‬مصايف‭ ‬ومَشاتٍ‭ ‬في‭ ‬مياه‭ ‬ورمال،‭ ‬يتكلمون‭ ‬بالعربية‭ ‬القديمة‭ ‬لا‭ ‬يعرفون‭ ‬غيرها،‭ ‬ويكتبون‭ ‬بالحِمْيرية،‭

‬ولا‭ ‬يعرفون‭ ‬قلمنا،‭ ‬يعبدون‭ ‬الأصنام،‭ ‬وملِكهم‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬بيت‭ ‬منهم‭ ‬لا‭ ‬يُخرجون‭ ‬المُلك‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬ذلك‭ ‬البيت،‭ ‬ولهم‭ ‬أحكام‭… ‬وملِكهم‭ ‬يهادي‭ ‬ملك‭ ‬الصين،‭ ‬فسرنا‭ ‬فيهم‭ ‬شهراً‭ ‬في‭ ‬خوف‭ ‬وتغرير‮»‬‭ [‬معجم‭ ‬البلدان،‭ ‬3‭/‬443‭-‬444‭]. ‬

ثم‭ ‬كان‭ ‬الاحتكاك‭ ‬العسكريّ‭ ‬بين‭ ‬العرب‭ ‬والصين‭ ‬في‭ ‬أثناء‭ ‬الفتوحات‭ ‬الإسلامية‭ ‬في‭ ‬وسط‭ ‬آسيا،‭ ‬وهناك‭ ‬حكاية‭ ‬معروفة‭ ‬متداولة‭ ‬في‭ ‬كتب‭ ‬التاريخ‭ ‬العربي‭ ‬تُشير‭ ‬إلى‭ ‬وصول‭ ‬قوات‭ ‬قتيبة‭ ‬بن‭ ‬مسلم‭ ‬الباهليّ‭ ‬إلى‭ ‬حدود‭ ‬الصين‭ ‬وفـَتْحِه‭ ‬‮«‬كاشغر‮»‬،‭ ‬وما‭ ‬يُنسب‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬قَسَمٍ‭ ‬بأن‭ ‬يطأ‭ ‬أرضها،‭ ‬وإيفاد‭ ‬ملك‭ ‬الصين‭ ‬رسولاً‭ ‬إليه‭ ‬ومعه‭ ‬صحاف‭ ‬عليها‭ ‬تراب‭ ‬من‭ ‬أرض‭ ‬الصين‭ ‬ليطأه‭ ‬قتيبة‭ ‬براً‭ ‬بقسمه،‭ ‬وبعث‭ ‬معها‭ ‬جماعة‭ ‬من‭ ‬أولاده‭ ‬وأولاد‭ ‬الملوك،‭ ‬ومالاً‭ ‬جزيلاً،‭ ‬فلما‭ ‬انتهى‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬قتيبة،‭ ‬اكتفى‭ ‬بما‭ ‬اقترحه‭ ‬الملك‭. ‬


وتُشير‭ ‬المصادر‭ ‬إلى‭ ‬أَسْرِ‭ ‬صينيين‭ ‬في‭ ‬أثناء‭ ‬المعارك،‭ ‬استُـفيد‭ ‬منهم‭ -‬فيما‭ ‬بعد‭- ‬في‭ ‬نقل‭ ‬صناعة‭ ‬الورق‭ ‬من‭ ‬الصين‭ ‬إلى‭ ‬مدن‭ ‬وسط‭ ‬آسيا؛‭ ‬مثل‭: ‬بخارى‭ ‬وسمرقند؛‭ ‬مما‭ ‬أدَّى‭ ‬إلى‭ ‬انتزاع‭ ‬سِرّ‭ ‬صناعة‭ ‬الورق‭ ‬من‭ ‬الصينيين‭ ‬لينتشر‭ -‬فيما‭ ‬بعد‭- ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم‭ ‬عبر‭ ‬الوسيط‭ ‬العربيّ؛‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ -‬بدوره‭- ‬إلى‭ ‬نقلة‭ ‬حضارية‭ ‬كبيرة‭ ‬تمثلت‭ ‬في‭ ‬تمدُّد‭ ‬حركة‭ ‬التأليف‭ ‬بوساطة‭ ‬إنتاج‭ ‬الكِتاب‭ ‬الورقيّ‭ ‬والتخلِّي‭ ‬عن‭ ‬الكتاب‭ ‬الجلديّ،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يُـعتمد‭ ‬فيه‭ ‬على‭ ‬الـرَّقِّ‭ ‬المأخوذ‭ ‬مـن‭ ‬جـلـود‭ ‬الغـنم‭ ‬والأبقار،‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬بقدر‭ ‬فاعلية‭ ‬الورق‭ ‬الميسّر‭ ‬للكتابة‭ ‬فيه،‭ ‬وكان‭ ‬هـذا‭ ‬الانـتـقال‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬القرن‭ ‬الهجـري‭ ‬الأول‭. ‬


أما‭ ‬الاحــتكاك‭ ‬الجماعيّ‭ ‬الثالـث،‭ ‬فـتـمثـل‭ ‬فـي‭ ‬قوة‭ ‬عسكرية‭ ‬بعـث‭ ‬بـها‭ ‬الخليفة‭ ‬أبو‭ ‬جعفر‭ ‬المنصور‭ ‬لنجدة‭ ‬الإمبراطور‭ ‬الصيني‭ ‬المعاصر‭ ‬له،‭ ‬الذي‭ ‬واجهَ‭ ‬ثورة‭ ‬عارمة‭ ‬كان‭ ‬للجيش‭ ‬العربيّ‭ ‬دورٌ‭ ‬في‭ ‬إخمادها،‭ ‬ثُـمَّ‭ ‬استقرار‭ ‬أغلبية‭ ‬أفراد‭ ‬ذلك‭ ‬الجيش‭ ‬في‭ ‬الصين،‭ ‬وعدم‭ ‬عودتهم‭ ‬إلى‭ ‬موطنهم‭.‬‭ ‬


  • بداية‭ ‬التلاقح‭ ‬الحضاري

إذا‭ ‬كانت‭ ‬الأخبار‭ ‬الثلاثة‭ ‬السابقة‭ ‬تمثل‭ ‬في‭ ‬الأدبيات‭ ‬العربية‭ ‬بداية‭ ‬التعارف‭ ‬المباشر‭ ‬بين‭ ‬الأُمَّتينِ؛‭ ‬فإن‭ ‬الشكوك‭ ‬تحوم‭ ‬حول‭ ‬الأول‭ ‬والثالث‭ ‬منها؛‭ ‬أمَّا‭ ‬الثاني‭ ‬المتَّصل‭ ‬بالفتوح‭ ‬وتوقُّفها‭ ‬على‭ ‬حدود‭ ‬الصين‭ ‬فهو‭ ‬الخبر‭ ‬الموثق،‭ ‬وهو‭ – ‬رغم‭ ‬صِبْغته‭ ‬العسكرية‭- ‬يمثل‭ ‬بداية‭ ‬التلاقـح‭ ‬الحضاريّ‭ ‬بين‭ ‬الأمتين‭: ‬الصين‭ ‬مخترِعة‭ ‬الورق،‭ ‬والعرب‭ ‬وسيط‭ ‬نقلِ‭ ‬صناعته‭ ‬إلى‭ ‬العالم‭ ‬المعروف‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭. ‬وعقب‭ ‬استقرار‭ ‬الأوضاع‭ ‬الأمنية‭ ‬بين‭ ‬إمبراطورية‭ ‬الصين‭ ‬الممتدة‭ ‬من‭ ‬المحيط‭ ‬شرقاً‭ ‬إلى‭ ‬حدود‭ ‬ما‭ ‬وراء‭ ‬النهر،‭ ‬ودولة‭ ‬الإسلام‭ ‬الممتدة‭ ‬من‭ ‬المحيط‭ ‬الأطلسيّ‭ ‬إلى‭ ‬آخر‭ ‬بلاد‭ ‬التُّرك‭ ‬فيما‭ ‬وراء‭ ‬النهر؛‭

‬نشأت‭ ‬علاقات‭ ‬تجارية‭ ‬وثقافية‭ ‬بين‭ ‬الأُمتين‭ ‬كان‭ ‬مسارها‭ ‬طريق‭ ‬الحرير‭ ‬البَرِّيّ،‭ ‬فانتشرت‭ ‬بضائع‭ ‬الصين‭ ‬في‭ ‬مدن‭ ‬الإسلام؛‭ ‬مثل‭: ‬مصر،‭ ‬وسمرقند،‭ ‬ونيسابور،‭ ‬وبغداد‭. ‬وجال‭ ‬التجار‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬الصين؛‭ ‬لشراء‭ ‬البضائع،‭ ‬والعودة‭ ‬بها‭ ‬إلى‭ ‬الأقاليم‭ ‬الإسلامية؛‭ ‬مما‭ ‬أدَّى‭ ‬إلى‭ ‬قيام‭ ‬صناعات‭ ‬أصيلة‭ ‬في‭ ‬الأقاليم‭ ‬الإسلامية‭ ‬متأثرة‭ ‬بالنمط‭ ‬الصينيّ،‭ ‬وبخاصة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الفخاريات‭ ‬والزجاج‭ ‬والأقمشة،‭ ‬

وازدهرت‭ ‬التجارة‭ ‬بين‭ ‬الأُمتين‭ ‬ازدهاراً‭ ‬تأسَّستْ‭ ‬معه‭ ‬بلدات‭ ‬وأحياء‭ ‬باسم‭ ‬الصين‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الخصوص؛‭ ‬منها‭: ‬صين‭ ‬الكوفة،‭ ‬وصين‭ ‬إسكندرية‭ ‬العراق‭ [‬ياقوت،‭ ‬المشترك‭ ‬وضعاً،‭ ‬ص288‭-‬289‭]‬،‭ ‬والأشهر‭ ‬منهما‭: ‬الصِّـينية،‭ ‬وكانت‭ ‬بُليدة‭ ‬قريبة‭ ‬من‭ ‬واسط‭ [‬ياقوت،‭ ‬معجم‭ ‬البلدان،‭ ‬3‭/‬448‭]. ‬


  • صينية‭ ‬الحوانيت

يُقدِّم‭ ‬لنا‭ ‬الخطيبُ‭ ‬البغداديُّ‭ ‬في‭ ‬تاريخه،‭ ‬ويتابعه‭ ‬ابنُ‭ ‬القيسرانيِّ،‭ ‬وأبو‭ ‬سعد‭ ‬السَّمْعَانِيُّ،‭ ‬معلومةً‭ ‬فريدةً‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬البلدة؛‭ ‬فيذكرها‭ ‬باسم‭: ‬صينية‭ ‬الحوانيت،‭ ‬وأنها‭ ‬بين‭ ‬واسط‭ ‬والصليق‭ ‬بالعراق‭. ‬ووُرُود‭ ‬كلمة‭ ‬الحوانيت‭ ‬في‭ ‬التعريف‭ ‬بالمدينة‭ ‬على‭ ‬درجة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬الأهمية؛‭ ‬فالحوانيت‭ ‬جمع‭ ‬حانوت،‭ ‬وهو‭ ‬الدُّكَّان‭ ‬أو‭ ‬المحلُّ‭ ‬التِّجاريّ،‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬البلدة‭ ‬كانت‭ ‬تشتهر‭ -‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظري‭- ‬بكثرة‭ ‬محلاتها‭ ‬التجارية‭ ‬ذات‭ ‬العلاقة‭ ‬بالصين؛‭ ‬

فهل‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬بسبب‭ ‬أن‭ ‬أصحابها‭ ‬كانوا‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬الصين؟‭ ‬أم‭ ‬لأنها‭ ‬كانت‭ ‬تعجُّ‭ ‬بالبضائع‭ ‬الصينية؟‭ ‬وفي‭ ‬كلتا‭ ‬الحالَيْنِ‭ ‬نجد‭ ‬أنفسنا‭ ‬أمام‭ ‬ما‭ ‬يُعرف‭ ‬في‭ ‬عصرنا‭ ‬بــ«تشايـنا‭ ‬تاون‮»‬‭ ‬Chaintown،‭ ‬أو‭ ‬الحيّ‭ ‬الصينيّ،‭ ‬ولعل‭ ‬المدينتيْنِ‭ ‬اللتين‭ ‬كانَتا‭ ‬قرب‭ ‬الكوفة‭ ‬والإسكندرية‭ ‬من‭ ‬النمط‭ ‬نفسه؛‭ ‬أي‭: ‬إنهما‭ ‬كانتا‭ ‬تحفلان‭ ‬بالحوانيت‭ ‬الصينية‭. ‬فإن‭ ‬قُبِـلَ‭ ‬هذا‭ ‬الرأي،

‭ ‬فإنه‭ ‬يؤسِّس‭ ‬لرؤية‭ ‬جديدة،‭ ‬تكشف‭ ‬عن‭ ‬حركة‭ ‬تجارية‭ ‬واسعة،‭ ‬ربطت‭ ‬بين‭ ‬العراق‭ ‬مقرّ‭ ‬الخلافة‭ ‬العباسية،‭ ‬ومركز‭ ‬الحضارة‭ ‬العربية‭ ‬الإسلامية‭ ‬قروناً‭ ‬طوالاً،‭ ‬وبين‭ ‬الإمبراطورية‭ ‬الصينية‭.‬

ويَرفِد‭ ‬هذا‭ ‬الرأي‭ ‬ويقويه‭ ‬معلوماتٌ‭ ‬عن‭ ‬حمل‭ ‬أفراد‭ ‬من‭ ‬العرب‭ ‬نسبة‭ (‬الصينيّ‭)‬،‭ ‬عُـرفوا‭ ‬بها‭ ‬بين‭ ‬أقرانهم‭ ‬في‭ ‬حِقْبتهم،‭ ‬وتُرجم‭ ‬لهم‭ ‬بربطهم‭ ‬بهذه‭ ‬النسبة؛‭ ‬من‭ ‬أشهرهم‭: ‬حميد‭ ‬الصينيُّ‭: ‬وهو‭ ‬أبو‭ ‬عمرٍو‭ ‬حُميد‭ ‬بن‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬عليٍّ‭ ‬الشيبانيُّ،‭ ‬قال‭ ‬عنه‭ ‬السَّمْعَانِيُّ‭: ‬‮«‬سمع‭ ‬السريّ‭ ‬بن‭ ‬خزيمة‭ ‬وأقرانه،‭ ‬روى‭ ‬عنه‭ ‬أبو‭ ‬سعيدِ‭ ‬بنُ‭ ‬أبي‭ ‬بكر‭ ‬بن‭ ‬أبي‭ ‬عثمان‭ ‬وغيره‭. ‬

ظنِّي‭ ‬أنه‭ ‬نُسب‭ ‬إلى‭ ‬الصين؛‭ ‬إما‭ ‬لأنه‭ ‬منها،‭ ‬أو‭ ‬لأنه‭ ‬كان‭ ‬يمضي‭ ‬إليها،‭ ‬والله‭ ‬أعلم‮»‬‭ [‬الأنساب،‭ ‬8‭/‬368‭]‬‭. ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬شكِّ‭ ‬السَّمْعَانِيِّ‭ ‬في‭ ‬أصله،‭ ‬فإن‭ ‬وجود‭ ‬النسبة‭ ‬إلى‭ ‬القبيلة‭ ‬ضمن‭ ‬اسمه‭ (‬الشيباني‭)‬،‭ ‬يَعْنِي‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬عربياً؛‭ ‬بيد‭ ‬أنه‭ ‬ممن‭ ‬أكثروا‭ ‬دخول‭ ‬الصين،‭ ‬ولعل‭ ‬ذلك‭ ‬للتجارة‭ ‬بالدرجة‭ ‬الأولى‭. ‬والآخر‭ ‬هو‭: ‬إبراهيم‭ ‬بن‭ ‬إسحاق‭ ‬الصينيُّ‭: ‬من‭ ‬أهل‭ ‬الكوفة،‭ ‬قال‭ ‬عـنه‭ ‬السَّــمْعَـانِيُّ‭: ‬‮«‬كان‭ ‬يَـتَّـجِـرُ‭ ‬في‭ ‬البحـر،‭ ‬ورحـل‭ ‬إلى‭ ‬الصين،‭ ‬وهـو‭ ‬مـن‭ ‬بلاد‭ ‬المشرق،‭ ‬وروى‭ ‬عن‭ ‬أبي‭ ‬عاتكةَ،‭ ‬عن‭ ‬أنسٍ‭ ‬أن‭ ‬النبيَّ‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬قال‭: ‬‮«‬اطلبوا‭ ‬العلم‭ ‬ولو‭ ‬بالصين‮»‬‭. ‬


  • أشهر‭ ‬من‭ ‬حمل‭ ‬لقب‭ ‬الصيني

أَشهَرُ‭ ‬العربِ‭ ‬الذين‭ ‬حملوا‭ ‬لقب‭ ‬الصيـنيِّ،‭ ‬شـيخ‭ ‬السَّمْــعَانِيِّ‭: ‬أبو‭ ‬الحسنِ‭ ‬سعدُ‭ ‬الخيرِ‭ ‬بنُ‭ ‬محمدِ‭ ‬بنِ‭ ‬سهلِ‭ ‬بنِ‭ ‬سعدٍ‭ ‬الأنصاريُّ‭ ‬الأندلسيُّ،‭ ‬قال‭ ‬السَّمْعَانِيُّ‭: ‬‮«‬كان‭ ‬يكتب‭ ‬لنفسه‭: ‬الصينيّ؛‭ ‬لأنه‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬سافر‭ ‬من‭ ‬بلاد‭ ‬الغرب‭ ‬إلى‭ ‬أقصى‭ ‬بلاد‭ ‬الشرق،‭ ‬وهو‭ ‬الصين‭. ‬

من‭ ‬أهل‭ ‬بَلَنْسِية‭ ‬مدينة‭ ‬بشرقي‭ ‬الأندلس‭. ‬كان‭ ‬فقيهاً‭ ‬صالحاً‭ ‬كثير‭ ‬المال،‭ ‬حَصَّـلَ‭ ‬الكتب‭ ‬والأصول‭… ‬سمعت‭ ‬منه‭ ‬جميع‭ ‬كتاب‭ ‬السُّنَن‭ ‬لأبي‭ ‬عبدالرحمن‭ ‬النسائيِّ‭… ‬تُـوُفِّـيَ‭ ‬في‭ ‬المحرَّم‭ ‬مـن‭ ‬سـنـة‭ ‬إحدى‭ ‬وأربعـين‭ ‬وخمس‭ ‬مئة‭ ‬ببغداد‮»‬‭ [‬الأنساب،‭ ‬8‭/‬368‭-‬369‭]‬‭. ‬وإشارة‭ ‬السَّمْعَانِيِّ‭ ‬إلى‭ ‬سعد‭ ‬الخير‭ ‬بأنه‭ ‬كان‭ ‬كثير‭ ‬المال،‭ ‬تُوحي‭ ‬بأنه‭ ‬كان‭ ‬يعمل‭ ‬في‭ ‬التجـارة‭ ‬إلى‭ ‬جانـب‭ ‬عنايـتـه‭ ‬بالعلم،‭ ‬ومن‭ ‬ثَـمَّ‭ ‬يكـون‭ ‬دخولُه‭ ‬الصينَ‭ ‬للتجارة‭ ‬بالدرجة‭ ‬الأولى‭. ‬

هناك‭ ‬مجموعة‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬الأعلام‭ ‬العرب‭ ‬حملوا‭ ‬النسبة‭ ‬‮«‬الصينيّ‮»‬،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬سفرهم‭ ‬إلى‭ ‬الصين؛‭ ‬مثل‭: ‬أبي‭ ‬عليٍّ‭ ‬الحسنِ‭ ‬بنِ‭ ‬أحمدَ‭ ‬بنِ‭ ‬ماهانَ‭ ‬الصينيِّ،‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬صينية‭ ‬الحوانيت،‭ ‬وأبي‭ ‬عبدالله‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬إسحاقَ‭ ‬بن‭ ‬يزيدَ‭ ‬الصينيّ‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬بغداد،‭ ‬وأبي‭ ‬الحسن‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬عبدالله‭ ‬بن‭ ‬إبراهيمَ‭ ‬الرازيّ،‭ ‬المعروف‭ ‬بابن‭ ‬الصينيِّ،‭ ‬كان‭ ‬يسكن‭ ‬باب‭ ‬الشام‭ ‬ببغداد‭. ‬

تُوُفِّيَ‭ ‬سنة‭ ‬410هـ‭ [‬الأنساب،‭ ‬8‭/‬369‭-‬370‭] ‬وعُرف‭ ‬بعضُ‭ ‬الأعلام‭ ‬العرب‭ ‬بألقاب‭ ‬تربطهم‭ ‬بالصين؛‭ ‬مثل‭: ‬الشريف‭ ‬أشرف‭ ‬بن‭ ‬محمد‭ ‬العباسيّ‭ ‬العلويّ‭. ‬قال‭ ‬النسفيُّ‭ ‬في‭ ‬القند‭: ‬‮«‬السيد‭ ‬الإمام‭ ‬الأَجَـلُّ،‭ ‬صدر‭ ‬الإسلام‭ ‬والمسلمين،‭ ‬قطب‭ ‬الإمامة‭ ‬في‭ ‬العالمين،‭ ‬ملك‭ ‬علماء‭ ‬الشرق‭ ‬والصين‭: ‬أبو‭ ‬المكارم‭ ‬أشرف‭ ‬بن‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬أبي‭ ‬شجاع‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬أحمد‭… ‬ابن‭ ‬العباس‭ ‬بن‭ ‬عليّ‭ ‬بن‭ ‬أبي‭ ‬طالب‭

. ‬وُلد‭ ‬في‭ ‬رجب‭ ‬سنة‭ ‬ثمان‭ ‬وستين‭ ‬وأربع‭ ‬مئة‮»‬‭ [‬القند،‭ ‬ص93‭] ‬والإشارة‭ ‬إليه‭ ‬بملك‭ ‬علماء‭ ‬الشرق‭ ‬والصين‭ ‬توحي‭ ‬بوجود‭ ‬علماء‭ ‬مسلمين‭ ‬داخل‭ ‬الصين‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الحقبة‭. ‬

كما‭ ‬عُرف‭ ‬أحد‭ ‬القادة‭ ‬العسكريين‭ ‬من‭ ‬الأشراف‭ ‬العباسيين،‭ ‬وهو‭ ‬أمير‭ ‬الجيوش‭ ‬طاهر‭ ‬العباسي،‭ ‬بلقب‭ ‬‮«‬باب‭ ‬ماجين‮»‬،‭ ‬ويُـقْصَـدُ‭ ‬بـباب‭ ‬هنا‭: ‬الشيخ‭ ‬أو‭ ‬الداعية؛‭ ‬فلعله‭ ‬دخل‭ ‬الصين‭ ‬للدعوة،‭ ‬فـعُرف‭ ‬بذلك‭. ‬


  • محلات‭ ‬تحمل‭ ‬اسم‭ ‬الصين

كانت‭ ‬هناك‭ ‬محلات‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬المدن‭ ‬الإسلامية‭ ‬تحمل‭ ‬اسم‭ ‬الصين؛‭ ‬مثل‭: ‬باب‭ ‬الصين‭ ‬في‭ ‬سمرقند،‭ ‬منها‭: ‬أزهر‭ ‬بن‭ ‬يونس‭ ‬بن‭ ‬العبدي‭ ‬السمرقندي‭ ‬‮«‬من‭ ‬باب‭ ‬الصين‭ ‬في‭ ‬المدينة‮»‬،‭ ‬ولعل‭ ‬إطلاق‭ ‬هذا‭ ‬المسمى‭ ‬لكونه‭ ‬مدخل‭ ‬الواردين‭ ‬من‭ ‬الصين‭. ‬

ويسود‭ ‬الاعتقاد‭ ‬بأن‭ ‬قومية‭ ‬خوي‭ ‬الصينية‭ ‬المسلمة‭ ‬من‭ ‬أصل‭ ‬عربي،‭ ‬وهي‭ ‬قومية‭ ‬تقطن‭ ‬مناطق‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬غربي‭ ‬الصين،‭ ‬وعاصمتها‭ ‬نينغيشيا‭. ‬ومن‭ ‬التأثيرات‭ ‬الصينية‭ ‬ذات‭ ‬الصلة‭ ‬بالفنون‭: ‬رسم‭ ‬الشخوص‭ ‬الصينية‭ ‬في‭ ‬الأواني‭ ‬والمخطوطات‭ ‬العربية‭ ‬المنمنمة؛‭ ‬مثل‭: ‬مقامات‭ ‬الحريريّ،‭ ‬وكليلة‭ ‬ودمنة،‭ ‬ويُشار‭ ‬إليها‭ ‬عادة،‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬لدى‭ ‬الغربيين،‭ ‬بالمغولية،‭ ‬والصواب‭ ‬أنها‭ ‬تأثيرات‭ ‬صينية؛‭ ‬إذ‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬للمغول‭ ‬أي‭ ‬تأثير‭ ‬حضاريّ‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬الإسلاميّ‭ ‬المعروف‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭.‬

ومن‭ ‬أبرز‭ ‬النماذج‭ ‬الفنية‭: ‬زخرفة‭ ‬داخل‭ ‬زبدية‭ ‬من‭ ‬الخزف،‭ ‬رُسمت‭ ‬في‭ ‬محيطها‭ ‬الداخليّ‭ ‬صور‭ ‬نساء‭ ‬صينيات؛‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬زخارف‭ ‬نباتية،‭ ‬يعود‭ ‬تاريخها‭ ‬إلى‭ ‬أواخر‭ ‬القرن‭ ‬السادس،‭ ‬أو‭ ‬بداية‭ ‬القرن‭ ‬السابع‭ ‬الهجريين‭. ‬ولعل‭ ‬أوضح‭ ‬مثال‭ ‬للتأثير‭ ‬الصينيّ‭ ‬الماديّ،‭ ‬أن‭ ‬كلمة‭ ‬‮«‬صيني‮»‬‭ ‬أُطلقت‭ ‬على‭ ‬الصحون‭ ‬المستخدمة‭ ‬للطعام،‭ ‬ولا‭ ‬يزال‭ ‬هذا‭ ‬المسمى‭ ‬مستعملاً‭ ‬إلى‭ ‬اليوم،‭ ‬

فكل‭ ‬الصحون‭ ‬الفخارية‭ ‬يُطلق‭ ‬عليها‭: ‬صينيّ،‭ ‬وإن‭ ‬اختلفت‭ ‬بلاد‭ ‬صناعتها،‭ ‬ومنها‭ ‬استخدام‭ ‬الصينية‭ ‬للآنية‭ ‬الكبيرة‭ ‬التي‭ ‬توضع‭ ‬عليها‭ ‬أواني‭ ‬الطعام‭ ‬والشراب‭. ‬ومن‭ ‬التوسع‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬أن‭ ‬الخط‭ ‬العربيّ‭ ‬انتشر‭ ‬بين‭ ‬المسلمين‭ ‬الصينيين‭ ‬الذين‭ ‬كتبوا‭ ‬المصحف‭ ‬الشريف‭ ‬بخط‭ ‬مميز،‭ ‬يحمل‭ ‬تأثير‭ ‬الرسم‭ ‬الصيني‭ ‬للحروف‭.‬

وممن‭ ‬برع‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭: ‬الخطاط‭ ‬الصيني‭ ‬الحاج‭ ‬نور‭ ‬الدين‭ ‬الذي‭ ‬نشر‭ ‬كتاباً‭ ‬كاملاً‭ ‬يضم‭ ‬أعماله‭ ‬الخطية،‭ ‬ومن‭ ‬بينها‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬اللوحات‭ ‬استخدم‭ ‬فيها‭ ‬‮«‬التصيين‮»‬‭ ‬ببراعة،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬خطَّ‭ ‬غلافَ‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬حكايات‭ ‬شعبية‭ ‬من‭ ‬الصين‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬نشرته‭ ‬دار‭ ‬الفيصل‭ ‬الثقافية‭ ‬سنة‭ ‬1433هـ،‭ ‬بترجمة‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬بن‭ ‬محمد‭ ‬الحميد،‭ ‬بطريقة‭ ‬فنية‭ ‬مميزة،‭ ‬تخفَّى‭ ‬فيها‭ ‬الحرف‭ ‬العربيُّ‭ ‬وراء‭ ‬التصيين‭.‬


يحيي محمود بن جنيد – الأمين العام لمركز الملك فيصل للبحوث و الدراسات الإسلامية

بالعربية

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى